تاريخُ التّنقيبِ الأثريِّ

محمد عزو_

تشير المصادر الخاصة بتاريخ التنقيب الأثري المنهجي، إلى أنّ التنقيب الممنهج يعود إلى بداية القرن العشرين، لكن التنقيب عن الآثار بشكل عام يعود إلى زمن بعيد، ويبدو أيضاً أنّ الشعوب القديمة، كانت تنقب عن الآثار بطرق ووسائل بدائية، في منتصف القرن الثامن عشر ميلادي،

 قام الأب “بارتلمي”، وهو فرنسي الجنسية، في عام /1752/م، بفك رموز الكتابات التدمرية، ومن ثم الكتابات الفينيقية، وفي عام / 1802/ م استطاع الألماني “غروتفند” من تفسير الكتابات المسمارية والفارسية والعيلامية القديمة، وبعد الاحتلال الاستعماري للبلاد المشرقية، وتوطيد التمثيل الدبلوماسي، ونشوء الإرساليات الفرنسية والبريطانية، نشأت ما كان يعرف بقيام الدراسات الشرقية (أسيريولوجي)، وفي الأعوام /1833 ـ 1847/م استطاع العالم الإنكليزي “راولنسون” أن ينسخ الكتابات المسمارية في غرب “إيران”، ثم بدأ “بوتا” بالتنقيب الأثري في “نينوى” عام /1842/م،

وبعد ذلك جاء الفرنسي “بلاس” بين الأعوام /1851 ـ 1855/م، ونقب في كل من “كلخ” و”نمرود” و”نينوى”، ويلاحظ أن  هذه التنقيبات كلها، لم يُتبع فيها الأسلوب العلمي الممنهج، بل كان القصد منها العثور على أكبر عدد ممكن من اللُّقى الأثرية، للمتاجرة بها، ولوضعها في المتاحف الأوروبية،، ومع ذلك نستطيع القول: أنّ نتائج هذه المرحلة المضطربة، وغير المنهجية أنها حققت بعض الفوائد العلمية، ولكنها مع الأسف شوهت الكثير من المواقع الأثرية في كل من “العراق” و”تركيا”، إذ قلبتها رأساً على عقب، ولاحقاً لم يستطع المنقبون من الوصول إلى معلومات أقدم من الألف الأول ق.م، واستطاعت المتاحف الأوروبية، مثل المتحف البريطاني ومتحف “اللوفر” في “باريس”، من أخذ الألوف من المكتشفات الأثرية، ومن بعدهما المتاحف الأوروبية الأخرى، وكذلك المتاحف الأمريكية، التي امتلأت بآثار المشرق  القديم، ومن الآثار العربية الإسلامية.

– التنقيبات الأثرية بعد الحرب العالمية الثانية: بعد عام /1914/م، وخاصة بعيد رحيل الدولة العثمانية، حلت في المشرق العربي دولتا الانتداب فرنسا وبريطانيا، فعلى صعيد التنقيبات الأثرية في سوريا، والأبحاث المتعلقة بها كانت في تلك الفترة نادرة وقليلة، ففي عام /1929/م اكتشفت “أوغاريت”، وقد زودنا هذا الموقع بمعلومات هامة عن مطلع الحضارة في سوريا، وعن الأموريين، والكنعانيين، والفينيقيين والميتانيين، وزودنا بمعلومات هامة عن العلاقات السياسية السورية مع الدول المجاورة كلها، وتم التعرف على حضارات لم تكن معروفة قبلاً، وعلى الفرات تم الكشف عن حضارة “ماري”، وبعد النصف الثاني من القرن الماضي /1950/م، استطاع علم الآثار الحديث في سوريا أن يكشف عن أدوار العصر الحجري القديم، الذي امتد لأكثر من مليون سنة منطقة “الكوم”، وتم الكشف عن آثار العصر الحجري الحديث “تل المريبط” بالقرب من “الرقة”، هذا وقد عرفنا من خلال التنقيبات الأثرية هذه، أنه مر على بلادنا أكثر من عشرين عهداً، وكانت تلك العهود حافلة بالناس والجماعات، التي تفاعلت مع الأرض السورية، والتي استطاع الناس فيها من تدجين الزراعة والحيوان، وبناء أول مسكن للإنسان كما حدث في تل “المريبط” على الفرات بالقرب من “الرقة”، وتلا ذلك بناء القرية، فالمدينة، ومن ثم الممالك والحواضر العظيمة، كما حدث في كل من توتول “تل البيعة” و”الخويرة” و”صبي الأبيض”، وغيرها من المدن العظيمة في شرق وشمال سوريا.