الليبرالية المجنونة

صلاح الدين مسلم_

تابعتُ فيلماً أجنبيّاً يقول الأب لابنته وكأنّه يضحّي: يمكنكِ استعمال الحمّام متى شئتِ؟ ويمكنك شرب الحليب أيضاً متى أردتِ، فذرفتِ الفتاة الدموع لتضحيات الأب، وتعانقا.

لم أفهم حتّى الآن معنى هذه الفرديّة المتوحّشة، وهل سيصبح مهاجرونا بهذه الفرديّة؟ وهل سينقلون إلينا هذه الليبرالية المستبدّة، كما يصفها الدكتور رمزي زكي، قد تكون الليبرالية مرادف الحرّيّة، وهي نقيض الاستبداد؟

هناك من وصف الليبرالية: أنّها نهاية التاريخ، وهي قمّة الفكر، وقمّة الروعة والبهاء، وهناك من نعتها بالليبراليّة المتوحّشة، والليبراليّة المستبدة، فقد تكون الليبرالية المجنونة.

النكتة أن تكون دبلوماسيّاً مع من هاجرَ، وسافرَ إلى بلاد الغربة، وأن تراعيَ مشاعره، لئلّا يغضب وهو في بلاد الغربة، حيث لا يهدّده أردوغان بالغزو، ولا طائراته تغتال المدنيين، فهو في كلّ منشور على صفحات التواصل الاجتماعيّ يقول: يا أخي راعوا مشاعرنا نحن في الخارج، فإنّنا قلقون عليكم، ونحن نراعي مشاعره، ونطمئنه.

النكتة ألّا تخدش مشاعره، فتقول له: إنّك قد هربت وتركتنا، فعدّد المدرّسين الحاصلين على الشهادة الجامعيّة في كوباني على سبيل المثال قبل عام 2011، كان 1200 مدرّس، والآن بقي 30 مدرّساً مجازاً، وعندما يتبوّأ خريج التاسع، مكان خريج الجامعة، يقول من في الخارج: إنّهم لا يضعون الإنسان المناسب في المكان المناسب، فنردّد تلك المقولة، ونقول: يجب أن نضع الإنسان المناسب في المكان المناسب.

النكتة أن يحاول إعلامنا إرضاء الخارجين، عندما يضخّمون حدثاً ما في الداخل، ويروّعونه، ومن في الداخل يصدّق من في الخارج، ولا يهتمّ الإعلام إلّا بإرضاء الخارج، لكي يطمئنَّ من في الداخل.

النكتة أن يحاورك من في الخارج، ويتصوّر أنّنا لا نعيش، وأنّ حياتهم هي الحياة المثلى، وعندما تقول: إنّك سعيد ولا تريد الخروج، فيحسبك مجنوناً، وأنّك تدّعي الوطنيّة، ولا تقول الحقيقة، وعندما تراجع نفسك، فتقول: نعم إنّني سعيد، لكنّه يقول: إنّك لست سعيداً، إذاً فنحن لسنا سعداء.

تكمن الحرب الناعمة لليبرالية، من خلال هذا البريق الذي يلمع، والذي يسحر، والذي يدمّر، ويفتك بالمجتمعات والفرد، فيجعله رقماً في هذه الماكينة، ويجعل أيّ شخص يعتقد بأيّ شيء حسب الصورة المرسومة مسبّقاً له، فهناك من يرسم لكَ طريق السعادة، ومعنى الحياة، فعندما تكمن قمّة السعادة في حبيب اشترى لحبيبته وردة حمراء، فهذا قمّة السعادة، وقمّة الحياة المثاليّة.

عندما يتمّ تصوير الخير في إنقاذ عائلة صغيرة في عيد الشكر، ودعوتها إلى الطعام، فهذا يعني قمّة الفرديّة في معالجة الأزمات الإنسانيّة، كما تحاول المنظمات الموجودة في شمال وشرق سوريا، أن تطرح القضايا بطرق فرديّة، وليست بطرق جماعيّة.

هل يمكن اختزال الفرح العالميّ في ليلة واحدة؟ والجمال والألفة العالميّة في ليلة واحدة؟ فالثقافة المسيحيّة فرضت نفسها على العالم، لكنّ كلّ حضارة تعبّر بطريقتها، وهنا يكمن الجمال التآلفي ما بين الحضارات.