ازدياد نسبة العمالة بين الأطفال بالحسكة.. فما الدوافع؟

الحسكة/ آلان محمد –

ما بين التشرد والبحث في القمامة والعمل في المدينة الصناعية،  واقعٌ أليم يلاقيه أطفال مدينة الحسكة، والأسباب دائماً ما تكون مرتبطةً بالفقر وسوء الحالة المعيشية.

يلتحق الأطفال روتينياً بأشكال مختلفة من العمل بأجر وبدون أجر في أعمالٍ لا يترتب عليهم منها ضرر ومع ذلك، تُصنف تلك الأعمال ضمن مفهوم ’’عَمالة الأطفال‘‘ إذا كان الأطفال أصغر وأضعف من أن يمارسوا تلك الأعمال، أو عندما يشاركون في أنشطة خطرة قد تعرض نموهم البدني أو العقلي أو الاجتماعي أو التعليمي للخطر.

فبات المشهد في مدينة الحسكة يثير القلق والمخاوف لدى شريحةٍ كبيرةٍ من المجتمع تاركاً خلفهُ العديد من إشارات الاستفهام، فالأطفال اللذين يجب أن يكونوا في أماكنهم الطبيعية، كالمنزل والمدرسة، نجدهم يمتهنون التسوّل والعمل كإجراء لدى أصحاب الورش والمحال التجارية، وأكثر ما يثير الغرابة هنا، هو صِغَرُ سِنّهُمْ وبنيتهم، كالبراعم الناعمة التي تداعبها الرياح، مما يتركهم أمام العديد من المخاطر النفسية والجسدية، فما بين طفلٍ يتسول ويبحث في القمامة عن بقايا المخلّفات البلاستيكية والمعدنية، لآخرٍ يعمل بجهدٍ يفوق طاقتهُ الجسدية بأضعاف، يبقى السؤال المنطقي، ما الحل بالنسبة لأولئك الأطفال؟ وهل يجب تركهم يعانون قسوة الحياة ويُحرمون من حقهم في التعليم والبقاء في تحت إشراف الأب وحنان الأم؟

واقعٌ مرير وصورٌ أكثر إيلاماً 

في جولةٍ قامت بها صحيفتنا “روناهي” ما بين المدينة الصناعية وبعض الأسواق، رصدنا العديد من الحالات الصادمة والغريبة، أولهم كان الطفل محمد عبد الرزاق، ذو الثلاثة عشر عاماً والذي يعمل في المدينة الصناعية جنباً إلى جنب مع أخطر المعدات وأثقلها، وأثناء محاولتي بإقناعهِ بالتحدث لصحيفتنا، رفض رفضاً قاطعاً ليظهر من بين المعدات الكبيرة والثقيلة معلمهُ، ويجيب عنهُ بغضبٍ شديد ولهجةٍ حادّة، موجهاً الكلام لي بطريقةٍ يشوبها الازدراء والامتعاض، حيث قال: “اسألوا أنفسكم عن السبب الذي دفعهُ للعمل في المدينة الصناعية”، ليجيب بنفسهِ ويقول: “بالتأكيد فهو أمام خيارين إما العمل هنا أو سيتسكع هنا وهناك، ويتعلم تعاطي الممنوعات والانحراف، ليتركنا في حالةٍ من الدهشة والذهول”.

ليجيبنا بعدها بأن والدهُ إنسان فقيرٌ جداً وهذا الفتى يعيلهم بشكلٍ منتظم، واضعاً وضع عائلتهِ برسم الجهات المعنية محملاً صحيفتنا مسؤولية إيصال وضعهِ للجهات المعنية والمنظمات الإنسانية.

وأثناء تجوال صحيفتنا في شوارع الحسكة وجدنا أطفالاً بعمر الورود يتسولون ويفترشون الطريق، فكان أول السؤال لهم لماذا لستم في المدرسة أو في المنزل؟ ما الذي تفعلونهُ هنا؟ كانت إجابتهم أرق من أن توصف، وهي عبارةٌ عن ابتسامةٍ خفيفةٍ ممزوجةٍ بالخوف والوجل بلا رد!

غياب المنظمات الإنسانية

من المعروف بأنّ الإدارة الذاتية الديمقراطية في شمال وشرق سوريا، قدْ تبنّت تقديم كافة التسهيلات للمنظمات الإغاثية والإنسانية، لتقوم بعملها كما يجب أمام الشعب المكلوم والمهجر، الشعب الذي رافقتهً ويلات الاحتلال التركي أينما ذهبْ، فتعددت أشكال ومهام تلك المنظمات تحت مختلف المسميات والعناوين الإنسانية، ويتجلى محور عملهم لمتابعة الفقراء والأطفال المشردين والمحرومون من حق الحياة بالتعلم والأمان، وتوفير الدعم النفسي والإغاثي لهؤلاء الأطفال وذويهم بعيداً عن المبررات.

لذا يجب أن يقوم مكتب المنظمات الإنسانية التابع للإدارة الذاتية بدورٍ أكبر من ذلك بكثير، ومتابعة عمل هذهِ المنظمات ضمن الأطر القانونية وحضها على القيام بالمهام الموكلة إليهِ، والتي تعتبر أساس وجودهم في المنطقة.

كما أن على هيئة الشؤون الاجتماعية والعمل في الإدارة الذاتية بأن تقوم بدورها على أكمل وجهٍ ومتابعة حالة الأطفال وتسليط الضوء على المسببات والدوافع التي أجبرت هؤلاء الأطفال بالعمل بالتسول والتشرد، لأنّ استمرار مثل هذهِ الحالات سيسبب كارثة اجتماعية، تلقي بظلالها مستقبلاً على المجتمع برمتهِ.