عبدالباري أحمه…أنا أول قارئ أُحلّق مع كلماتي

حاوره/ عبدالرحمن محمد-

عشق الحرف والولع بالقراءة كان السّبب الرئيس في سطوع نجم الكثيرين ممّن تربّعوا على عرش الأدب بتوجهاته وفنونه المُتعددة، وعلى مدى آلاف السّنين كان الأدب وحتى عندما كان شفاهياً دلالة من دلالات التميّز والذكاء وعلوِّ شأن من عمل فيه وقاربه.

عبدالباري أحمه أحد عُشاق الكلمة قراءةً وكتابةً منذ بدايات شبابه وهو ابن قامشلو التي ولد فيها عام ثمانيةٍ وخمسين وتسعمئةٍ وألف، ودرس فيها حتى أنهى الثّانوية ثم قصد دمشق ليحصُل فيها على دبلوم في التربية الرياضيّة 1981، أحبَّ القراءة والمُطالعة وكان شغوفا بالكتابة، وبخاصةٍ المقالة والشّعر وأعدَّ دراساتٍ عدَّة في موضوعاتٍ متنوعة، وصدرت له مؤخراً باكورة أعماله الشّعرية بعنوان “جدارية المنفى في زمن التأويل” يتضح من عنوان المجموعة البُعد الفكري والفلسفي في نصوصه الشّعرية التي ضمتها المجموعة في جنباتها.

في لقاء مع الشّاعر والكاتب عبدالباري أحمه كان هذا الحوار:

ـ كقارئ وكاتب  للمقالة والشّعر ماذا تعني لك الكتابة والقراءة؟

أولاً هناك فرق بين المقالة والشّعر، أمَّا الكتابة فهي من حيث المبدأ كالولادة تمرُّ بمرحلة الحمل ثم المخاض ثم الولادة، ولا يمكن لأيٍّ كان أن يكتب إن لم يكن قارئاً متميزاً.

ـ لك تجربة منذ سنوات مع الشّعر وصدرت لك مؤخراً مجموعة شعرية. لمن تكتب الشّعر، هل ما زال هناك مُتلقي حقيقي للشّعر؟

 أنا أكتب لمن يقرأ بتمعُن وأكتب أيضاً لكلِّ مهتم وخاصةً الذين يستهوون الرمزية والأسطورة،  لا أحبُّ الكتابة بشكلٍ مباشر ولا بشفافية، بكل الأحوال هناك مُتلقي حقيقي لكنَّ النسبة قليلة جداً.

ـ رغم شُحِّ النّشر وكثرة العناوين الجديدة للكُتب. هناك تفاوت في القيمة المُضافة للكتب وإشارات لتدني مستوى ما يُنشر ما صحِّة ذلك وإلام يعزى بنظرك؟

النشر ليس شحيحاً لكن عندنا ربّما يمرُّ بمرحلة الشُح، لو تتبعنا المعرض الأخير للكتاب (هركول) لوجدنا مئات العناوين المُهمة وفي كافةِ الاختصاصات، ربما الأسعار هي من تُساهم في الأُفول عن القراءة، وقد يكون الأنترنيت سبباً في تدني ظاهرة الإقبال على الكتاب والقراءة.

ـ القارئ لنصوص عبدالباري أحمه  يُحلِّق معه في فضاءات سريالية وروحية صوفية أحياناً ومن ثم يغوص في عوالم الفلسفة والوجودية .. كيف لك أن تبحُر في كل هذه العوالم هذا التنوع الشِّعري؟

قبل قليل ذكرت بأنّني لا أحبُّ الكتابة المباشرة والواضحة، ويعود السَّبب أنَّ أغلب قراءاتي كانت تتمحور في الفلسفة والأُسطورة والدين، هذه القراءات رسخت في ذهني ثقافةً وهذه الثقافة سيطرت على مُجمل كتاباتي، أحاول أحياناً أن أكتب ببساطة وبلغة بسيطة لكنّني لا أملك تلك الكلمات. أنا شخصياً قبل القارئ أُحلّق مع كلماتي وهذا التنوع الثقافي سبب ذلك.

ـ الكثير من المؤسسات الثقافية ظهرت على السّاحة الثقافية وأنت عضو وإداري .في اتحاد المثقفين بإقليم الجزيرة. برأيك ماذا قدمت هذه المؤسسات بشكلٍ عام  واتحاد المثقفين بشكلٍ خاص للمجتمع وللمثقفين؟

بكلِّ المقاييس هذه الاتحادات ليست كسولة، لأنها منذ البدايات عملت على نشر الثقافة والوعي بين أعضائها وأصدقائها من خلال عقد ندوات وحوارات متنوعة، وبنفس الوقت تعمل على نشر نتاجات أعضائها، ونشر ثقافة مجتمعيّة من خلال النشاطات الثقافية العامة، ونحن كاتحاد مثقفي الجزيرة لدينا خطة وبرنامج نعمل من خلاله على خلق مظلّةٍ جامعة لكلِّ الاتحادات كي نعمل وفق برامج محددة وهادفة تخدم الحركة الثقافية في منطقتنا.

ـ سوريا ومناطق روج آفا تشهد ثورة حقيقية. هل قام المثقفون بدورهم في هذه الثورة؟

منذ الحراك الأوّل كان المثقف في الطليعة في قيادة الحراك، وبعد تشكّل الإدارة الذاتية بقي المثقف قريباً من مجتمعه ولا أعمم لأنَّ البعض تسلَّق نحو مجدٍ وهمي ونسيَ دوره ورسالته،  والبعض انكفأ بسبب ضيق الهامش الديمقراطي ، لكنَّ الأغلبية مازال يعمل بشكلٍ وجداني كونه تسلّح بالعلم والثقافة معتبراً قلمه جزء مهم في هذا الحراك مؤمناً بأنَّ القلم أقوى من كلِّ أشكال السُّلطة.

ـالمثقف انتهازي…لم تأتي هذه الصِّفة والمقولة؟

هذه طبيعة المثقف في كلِّ المجتمعات وخاصةً في الأزمات السياسيّة، لكن ليس بشكلٍ مُطلق، فالتسلُّق والمجاملة من أسوء صِفات المثقف ومن المؤسف جداً أن نرى في مجتمعنا أعداداً جيدةً من هذا القبيل، وحتى يكون المثقف عضواً فعالاً وبمقاييس “غرامشي”  عليه أن يحمل هموم مجتمعه ووطنه ولا يخاف لومة لائم، وكم نحن بحاجة لهذا المثقف العضوي الآن؟