بعد دخول قوات النظام (درعا البلد) ماذا بعد؟

قامشلو/ رفيق ابراهيم ـ

في الثامن من أيلول 2021 دخلت قوات النظام السوري درعا البلد لأول مرة منذ انطلاقة الأزمة السوريّة، والتي انطلقت شرارتها الأولى من مدينة درعا وتوسعت لتشمل جميع المدن السورية فيما بعد، لم تأتِ دخول قوات النظام السوري لدرعا بموجب اتفاق رعته موسكو عقب تصعيد عســـكري وحصار استمر لأكثر من شـــهرين، حيث وصف أهالي درعا التسوية بالخنوع والمذلة ولكن النظام السوري استغل الاتفاقية وسيطر على عدة مناطق في الريف الغربي لدمشق.

إسدال الستار على استثناء درعا البلد 

وفور دخول قوات النظام السوري بدأت بنشر الكثير من النقاط الأمنية، واستولت على المباني الحكومية السابقة بشكلٍ كامل، حيث اعتُبر دخول قوات النظام إلى درعا البلد بمثابة كسر العظم لما تبقى من المقاتلين الذين استسلموا تحت الضغط الروسي والهجمات التي لم تنقطع قبل شهرين من الاستيلاء عليها، وسيطرة قوات النظام السوري بهذا الشكل على درعا البلد يعني أن محافظة درعا بأكملها باتت تحت قبضة النظام، ولم يعد هناك سوى مناطق قليلة سيحاول إعادتها في المراحل المقبلة كمدينة بصرى الشام وبلدة طفس والمناطق المحيطة بهما.

وبعد تطبيق بنود الاتفاق النهائي في درعا البلد أعلنت قوات النظام السوري وعبر وكالة سانا الحكومية بأن درعا البلد باتت خالية من الإرهاب على حد زعمها، بدأ النظام تثبيت بعض النقاط انتشرت فيها القوات بالإضافة إلى الشرطة العسكرية، ومن ثم بدأ المئات من الشبان الذين رغبوا البقاء في المدينة والمتخلفين على الخدمة العسكرية بتقديم طلباتهم لتسوية أوضاعهم وحسب بنود الاتفاق وبضمانة الروس.

وبحسب المصادر المقربة من النظام كان عدد المتقدمين حوالي 900 من الشباب، ومن أحد بنود الاتفاقية الموقّعة بوساطة الروس فإن الذين يرفضون البقاء سَيُرحلون إلى المناطق التي يسيطر عليها المحتل التركي ومرتزقته في شمال سوريا، الاتفـــاق أسدل الستار على الاستثناء الذي تمتعت به درعا البلد خلال العشر سنوات الماضية، وكانت قوات النظام السوري وقبل ثلاث سنوات في عام 2018 قد سيطرت على مدينة درعا وفق اتفاق تسوية رعته آنذاك روسيا أيضاً، بعد معارك ضارية شارك فيها سلاح الجو الروسي والميليشيات المدعومة من إيران السنوات الثلاث الماضية وفق تسوية رعتها روسيا في 2018، واسـتعاد الجيش السوري بمساعدة سـلاح الجـو الروسـي والميليشيات الإيرانية السيطرة على المحافظة التي انطلقت منها شرارة الثورة في عام 2011.

ضوء أخضر روسي لتسويات جديدة

الاتفاق الذي وقِّع في عام 2018 أجبر الآلاف من مسلحي ما يسمى بالمعارضة على تسليم أسلحتهم الثقيلة وتسوية أوضاعهم وترحيلهم من درعا، استُثني منها درعا البلد في ذلك الوقت، ولكن كان الروس يعملون منذ ذلك الحين في تحيّن أية فرصة لفرض سيطرة النظام على درعا البلد، وبعد تطويقها لمدة شهرين تقريباً استسلم ما تبقى من الذين كانوا يقاتلون وفرضـت روسـيا اتفاقـاً يســـمح لقوات النظام بالسيطرة عليها ولتدخلها قوات النظام لأول مرة منذ بداية الأحداث، مع ترك ممر آمن لمن يرغب في مغادرة المكان والذهاب إلى مناطق الاحتلال التركي في الشمال السوري.

وبحسب المراقبين والمختصين بمتابعة الشأن السوري فإن تسوية درعا البلد جاءت لمصلحة النظام السوري ومثلت الضربة القاصمة للمعارضة، وبخاصةٍ أن درعا تمثل رمزية لدى السوريين أولاً وعلى اعتبارها مهد الثورة ثانياً، وبعد توقيع الاتفاق حاولت بعض المجموعات من الميليشيات الإيرانية الموالية للنظام السوري اقتحام المعبر الآمن ولكن الروس تدخلوا وأوقفوا عملية الاقتحام هذه.

ويجمع جميع المحللين والمراقبين بأنه لولا الضوء الأخضر الروسي لقوات النظام لما تجرأ وهاجم المدينة، لذلك فإن العملية منذ بدايتها جرت بضوء أخضر روسي وهي التي فتحت الأبواب المُشرعة أمام هجوم النظام والسيطرة على درعا البلد، وسيحاول النظام الآن بسط سيطرته على بعض المدن والبلدات التي بقيت خارج سيطرتها لتكون محافظة درعا بكاملها خاضعة لقوات النظام والروس، وبات ما هو واضحاً بأن اتفاق الاستسلام جاء ليسدل الستار على آخر فصل من فصول الجنوب السوري.

الاتفاقية أيضاً دعمت النفوذ الإيراني في المنطقة حيث تنتشر على أطراف المدينة مجموعات من الميليشيات الإيرانية والتي تتخذ من الفرقة الرابعة مقراً لها، والفرقة الرابعة يقودها ماهر الأسد شقيق الرئيس السوري بشار الأسد وعناصر هذه الفرقة تنتشر بشكلٍ كثيف في مناطق الجنوب السوري وهذا ما يثير حفيظة الأهالي ويولّد الخوف من ارتكابها انتهاكات وجرائم بحق المدنيين العُزّل في تلك المناطق.

وبعد كل ما جرى سيحاول النظام السوري وبرعاية الطرف الروسي من جديد فرض اتفاقات وتسويات على ما تبقى من مناطق خارج سيطرة الطرفين فيما تبقى من محافظة درعا، ومن ثم ليتبعها بتسوية أخرى في القنيطرة وما حولها.