سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

عناصر الحضارة الديمقراطية

عبد الله أوجلان –

قد يَكُونُ مفيداً تسليطُ الضوءِ على مُكَوِّناتِ وعناصرِ المجموعاتِ المندرجةِ ضمن إطارِ المجتمعِ الأخلاقيِّ والسياسي. إذ من الضروريِّ تعريفَ العناصرِ الاجتماعيةِ المتباينة، وذلك مِن جهةِ استيعابِ تَكامُلِها الكُلِّيِّاتيّ. فالتكاملُ الكُلِّيِّاتيُّ لن يَجِدَ معناه إلا ضمن الفوارقِ المتباينة. والمدينةُ كدولة، لا يُمكننا اعتبارَها عنصراً مِن عناصرِ الحضارةِ الديمقراطية. وبشكلٍ مستقلٍّ عن ذلك، فكلُّ مَن يقتاتُ على كدحه، والحِرَفِيُّون، العمال، العاطلون عن العمل وأصحابُ شتى أنواع المِهَنِ الحرةِ يَندَرجُون ضمن لائحةِ العناصرِ الديمقراطية، حتى ولو كانوا مدينيين. سنتناولُ مِثلَ هذه المواضيع.
a – الكلانات: كُنّا تَطَرَّقنا لها باختصار، وكُنّا بَيَّنَّا أنّ الكلاناتِ كخليةٍ نواةٍ للمجتمع تَشمَلُ 98% مِن عمرِ الجنسِ البشريِّ خلالَ مسيرةِ حياتِه الطويلة. لقد كانت الحياةُ شاقةً فعلاً بالنسبةِ لهذه المجموعاتِ المؤلَّفةِ مِن 25 – 30 فرداً، والمستخدِمةِ لغةَ الإشارة، والمقتاتةِ على القطفِ والقنص. حيث كان صعباً جداً عدمُ الوقوعِ فريسةً للحيواناتِ الكاسرة، وتأمينُ الغذاءِ السليم. كما كان الطقسُ بارداً للغاية في بعضِ الأحايين. كان قد تمَّ عيشُ أربعةِ عصورٍ جليديةٍ هامة. علينا ألا نَمُرَّ على أجدادنا مرورَ الكِرام. إذ، لولا جهودِهم العظيمة، لَما كُنّا نحن. ينبغي البحثَ عن التكاملِ هنا بالذات. ذلك أنّ بشريتَنا الراهنةَ بأكملها مُحَصِّلةٌ لصراعهم في سبيلِ البقاءِ أحياءً. والتاريخُ لا يَكُونُ تاريخاً بقِسمِه المُدَوَّنِ فحسب. كما أنّ التاريخَ الحقيقيَّ لَن يَجِدَ معناه، دون أخذِ وضعِ طبيعتنا الاجتماعيةِ لِما قبل ملايين السنين في الحسبان. فالمزايا الرئيسيةُ لمجتمعِ الكلان، ربما هي الحالُ الأُولى التي ستُوَحِّدُ البشرية. لقد سَعَينا لنعتِ الكلانِ بالحالةِ الأنقى للمجتمعِ الأخلاقيِّ والسياسي. هذه المجموعاتُ، التي لا تَنفَكُّ مستمرةً بوجودِها الفيزيائيِّ في العديدِ من البقاع، لا تزالُ مستمرةً بموضعِها كخليةٍ نواةٍ في جميعِ عناصرِ ومُقَوِّمات المجتمعاتِ المتطورة.
B – الأسرة: الكلانُ بذاتها أقرب إلى الأسرة، وإنْ لَم تُوصَفْ كذلك. فالأسرةُ هي المؤسسةُ الأولى المتباينةُ ضمن الكلان. فبَعدَ العيشِ كعائلةٍ أموميةٍ مدّةً طويلةً من الزمن، تمَّ العبورُ إلى عهدِ العائلةِ الأبوية تحت كنفِ السلطةِ الهرمية ذات الهيمنةِ الرجولية المتناميةِ بَعدَ الثورةِ الزراعية – القروية (في أعوام 5000 ق.م على وجه التخمين). هكذا تُرِكَت الإدارةُ والأطفالُ لحاكميةِ أكبرِ ذكورِ العائلة سنّاً. أما استملاكُ المرأة، فكان الأرضيةَ لفكرةِ المُلكِيةِ الأولى. وعلى التوالي تمّ الانتقالُ إلى عبوديةِ الرجل أيضاً. هذا ونصادفُ أشكالَ حُكمِ الأسرةِ الواسعةِ النطاق والطويلةِ الأَمَد على شكلِ سلالاتٍ خلالَ عهدِ المدنية. لكنّ العوائلَ القرويةَ والحِرَفِيّةَ الأبسط ظَلّت موجودةً وباقيةً في كلِّ الأوقات. أناطَت الدولُ والسلطاتُ الرجلَ – الأبَ ضمن الأسرةِ بدورٍ طِبقِ النسخةِ مِن حاكميتِها. هكذا أُقحِمَت الأسرةُ في وضعِ الوسيلةِ الأهمّ على الإطلاق لشرعنةِ الاحتكارات. فأَدَّت دائماً دورَ المنبعِ الذي يُقَدِّمُ العبدَ، القِنَّ، العامل، الكادح، الجندي، وجميعَ أشكالِ الخدماتِ الأخرى لشبكاتِ الهيمنةِ ورأسِ المال. لهذا السبب أُولِيَت الأسرةُ أهميةً بارزةً وقُدِّسَت. ورغمَ حَظيِ الشبكاتِ الرأسماليةِ بأهمِّ مصادرِ الربحِ تأسيساً على استغلالِ كدحِ المرأة ضمن الأسرة، فقد مارسَت ذلك بشكلٍ مستور، وحَمَّلته بالتالي على الأسرةِ كعبءٍ إضافيّ. لقد حُكِمَ على الأسرةِ عيشُ أكثرِ مراحلها تعصبيةً، بِتَصييرها صَمَّامَ أمانٍ للنظام القائم.