No Result
View All Result
المشاهدات 39
ليلى الدردوري (كاتبة وناقدة مغربية)-
محمد المليحي واحد من أبرز رواد الحركة التشكيلية المغربية برمزيته وموقعه في المشهد الفني وتاريخ الفن التشكيلي المغربي، وأحد الوجوه الحداثية في مسار التشكيل المغربي والعربي المعاصر، ففي غمرة موج مدينة أصيلة الذي استلهمه في لوحاته على مدار حياته ولد هذا الفنان التشكيلي سنة (1936) لكن بعيداً عن (أصيلة) ملهمته الساحرة، ليرحل عن العالم في 28 تشرين الأول سنة 2020م، على إثر إصابته بمرض فيروس (كوفيد-19) في إحدى مستشفيات (باريس). مخلفاً ملحمته في فن أمواج التجريد التي تميزت بصمة الخلق والإبداع في ريشته، إلى حد أن صارت أسلوبه التجريدي المنفرد، وفياً لفكرة الأمواج في جل أعماله التشكيلية المنجزة في الستينيات.
فقد شارك في العشرات من المعارض عبر العالم، والحال أن الأمواج في لوحاته تغلب عليها الخطوط الدقيقة والألوان الهادئة، مع إعادة صياغتها باستمرارية ملفتة، مضيفاً إليها مجموعة جديدة من الأشكال والألوان والرموز لتأخذ صياغات جديدة أفقية على امتداد اللوحة وأحياناً عامودية، أو منبثقة من منتصفها، وهي أمواج تحيل إلى أمواج مدينة أصيلة مسقط رأسه.
فضلاً عن تأثر أعمال المليحي بالهندسة المعمارية والتراث الإسلامي بشكل عميق، مع حضور الأثر الأوروبي، فيما الألوان ظلت قريبة من حرارة المغرب وألوان بيوته وعمارتها وثيابها التقليدية، حارة حيوية الألوان تتراوح بين الأزرق والأصفر، وهي اختيارات صوفية من حيث وقعها الحار، المتناغم والمتناسق والمتنوع، ومن حيث توظيفها بما يلزم من دقة هندسية صارمة، تظهر على شكل متواليات لونية مُفكِر فيها مسبقاً، وبشكل مطول متكئة على نظام المقاسات الجبرية أكثر من استسلامها للعفوية والانفعالات النفسية الطارئة.
التشكيلي محمد المليحي الرسام الأكاديمي بامتياز خريج عدة مدارس ومعاهد فنية داخل المغرب وخارجه خلال الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي بدءاً بـ(مدرسة الفنون الجميلة) في(تطوان) شمال المغرب، و(مدرسة الفنون الجميلة) في هنغاريا و(المدرسة العليا للفنون الجميلة) في(مدريد) و(معهد استافالي للفن) في(روما) ثم (المدرسة الوطنية للفنون الجميلة) في( باريس)ـ قبل أن يلتحق بـ(جامعة كولومبيا الأمريكية) التي درس فيها حتى سنة (1964).
وعلى إثر عودته إلى المغرب سيلتحق بـ(مدرسة الفنون الجميلة) في (الدار البيضاء) أستاذاً للرسم والنحت والتصوير بين سنتي (1964/و1969) وهي الفترة التي كان فيها الفنان التشكيلي المغربي الراحل (فريد بلكاهية) مديراً للمدرسة، بحيث شكّل الفنانان بالإضافة إلى الفنان التشكيلي المغربي (محمد شيبا)/ تيار (جماعة الدار البيضاء الفنية) التي برزت منهجيتها العلمية وأسلوبها الحداثي من خلال الانزياح وخرق المعهود عليه في المشهد التشكيلي المغربي، ففي سنة (1966) ستتمكن هذه الجماعة التي ركزت على إدخال الحداثة على الثقافة البصرية المحلية من إقامة أول معرض تشكيلي لها في الرباط، قبل أن تقيم بعد ثلاث سنوات من ذلك معرضاً في ساحة (جامع الفنا) بمدينة مراكش الحمراء تحت عنوان (الفن الواضح ) الذي شارك في العرض فيه العديد من فناني (مدرسة الدار البيضاء)، بهدف تحقيق فكرة إخراج الفن التشكيلي من جدران الأروقة ليلتقي مع الجمهور في الساحات العامة.
يبدو أن هذا الفنان المتعدد لم يكن لشغفه بالتشكيل حدود فإلى جانب ممارسة الرسم والتدريس برز محمد المليحي في مجال النشر كعضو من الأعضاء الناشئين في رابطة مجلة (أنفاس) التي صدرت ما بين سنتي(1966و1969) وكانت تُعنى بالثقافة الجديدة في المغرب في التشكيل ، وتجدر الإشارة إلى اشتغاله كذلك في مجال التصميم الغرافيكي، ومن بين أعماله البارزة في هذا المجال تصميمه غلاف المجلة نفسها، وتصميمه ملصقاً شارك به في معرض الرباط سنة (1966) وهو الملصق الذي اقتناه (متحف الفن الحديث) في مدينة (نيويورك) الأمريكية، وفي ميدان النشر أيضاً شكّلت مساهمته سنة (1974) في تأسيس دار نشر (شوف) والتي تولى إدارتها، وسنة (1978) وشارك مع (محمد بنعيسى) وزير الثقافة حينئذ في تأسيس (جمعية المحيط الثقافية) وتنظيم (موسم أصيلة الثقافي) الذي ظل تقليداً أدبياً وفنياً وثقافياً سنوياً مغربياً وعربياً واسع الآفاق في دول الغرب والشرق العربي واستمر مند ذلك التاريخ في عرض جداريات فنية في الهواء الطلق بأصيلة٠
والحال أن تجربة الفنان محمد المليحي ستبقى علامة منفردة في المشهد التشكيلي المغربي والعربي كما يقول عنها الناقد المغربي (فريد الزاهي)، “تركيبة عصارة تجربته المميزة، البسيطة والمركبة، التجريبية والتشخيصية والرمزية والواقعية في الآن نفسه، إنها جغرافية تاريخية تمنحنا حصيلة الوهج الذي به اخترق عقوداً طويلة في تاريخ الفن التشكيلي الحديث والمعاصر).
No Result
View All Result