دور العبادة في الطبقة بين التخريب والتأهيل

تقرير/ مصطفى السعيد –

روناهي /الطبقة ـ تعتبر الشرائع السماوية إن ممارسة الشعائر الدينية الحقيقية والصحيحة حق من حقوق العبد تجاه خالقه، ولا يمكن لأحد من الناس نكرانها أو تجاهلها في أي عصر من العصور، وما يدل على ذلك انتشار دور العبادة التي تدعو لمعرفة رب العالمين، والملائكة، والرسل، والعباد، والحياة والموت، وأسماء وصفات كل منهم، والعبادة، وتركز على نشر الفضيلة والأخلاق.

ولدور العبادة أهمية كبيرة في توجيه المجتمع ونشر رسائل المحبة والإخاء وتنظيم المجتمع بعيداً عن الفوضى التي تنتشر في المجتمع؛ وعلى الأغلب إن الديانات السماوية وغير السماوية تدعو إلى الرحمة والحب والعدل والمساواة بين أفراد المجتمع ليكون كل فرد فيها صالحاً وقادراً على إصلاح غيره من أبناء المجتمع بالأخلاق الحميدة.

ففي الدين الإسلامي يعتبر المسجد مكاناً لنشر الأخلاق والمحبة والإخاء والتسامح بين أفراد المجتمع؛ وعند المسيحيين تعتبر الكنيسة داراً للعبادة تجمع المسيحيين تحت سقف الأخلاق التي جاء بها السيد المسيح ونشرها بين أفراد مجتمعه وتناقلها المسيحيون عبر التاريخ.

دور العبادة في الطبقة

أما دور العبادة في مدينة الطبقة فلها مكانة خاصة؛ فضلاً عن تربعها في قلوب ونفوس روادها هو قربها من الفرات، ومنطقة انتشرت فيها الحضارات القديمة والمتعاقبة وخصوصية مدينة الطبقة التي تحولت من مكان قفر لا يقطنه أحد، إلى مدينة حديثة بنيت أثناء إنشاء سد الفرات لتكون مدينة لكل أبناء سوريا يعملون في هذه المنشأة الاقتصادية الضخمة، وسكنت المدينة أغلب الأديان والمذاهب والقوميات من الشعب السوري، والتي حملت اسم لوحة فسيفساء سوريا؛ أو سوريا المصغرة؛ والاسمين يدلان على التنوع والتعدد الموجود في هذه المدينة الصغيرة.

وبالحديث عن دور العبادة الموجودة في هذه المدينة التي تعود لديانات وطوائف ومذاهب مختلفة ومنها: المساجد والكنائس: بدايةً نتطرق للمساجد وهي تعود للمسلمين ولها أهمية كبيرة لتعلم دين الإسلام، ويذكر أن النبي محمد صلى الله عليه وسلم أول عمل قام به هو بناء المسجد.

ويعتبر المسجد مكاناً لصلاة المسلمين ومنبراً للإمام ليلقي منه خطبته عليهم أيام الجمعة والأعياد و…، وهناك المحراب لرفع الآذان، والمأذنة المكان الذي يعلو منه آذان المؤذن وهناك مكان لوضوء المصلين.

دور المساجد في تحسين الأخلاق

للمساجد دور كبير في إصلاح الفرد والمجتمع وفي تحسين أخلاق الناس لما له أثر بين الناس في تعلم الأخلاق وإقناعهم والابتعاد عن الرذائل والنواقص، وللمساجد دور تاريخي في القضاء وحل النزاعات بين الناس والإصلاح الأسري، وساهمت في مساعدة الفقراء والمساكين كما كانت منارة لأداء الصلوات الخمس، وإقامة حلقات العلم، وتعلم القرآن الكريم، ونشر الأخلاق الفاضلة، وتفقد أحوال الناس والمشاركة في المناسبات الدينية.

يحوي الطبقة أكثر من مئة مسجد

بلغ عدد مساجد مدينة الطبقة وريفها / مئة/ مسجد، ومن أبرزها جامع الفرقان في الحي الثاني قرب المركز الثقافي الذي يعد من أكبر المساجد في المدينة، وتم بناء هذا المسجد في عام ثمانين وتسعمئة والف م، وجامع الرضوان في سوق الخضار الجنوبي ويعد من أقدم المساجد في المدينة، وجامع التوبة في المهاجع، وجامع المصطفى في المقاسم وجامع عمر بن الخطاب…..الخ.

الكنائس في الطبقة

  وكان في الطبقة كنائس المسيحيين بطوائفهم المختلفة وهي: ثلاث كنائس للمسيحيين؛ كنيسة سير جيوس وباخوس في الحي الثالث (دوار الدلة)، وكنيسة الأرمن عند دوار الكنيسة في منطقة القرية، وكنيسة الآشوريين بالقرب من ممر جامع عمر.

تحويل المرتزقة دور العبادة إلى معتقلات

وبعد عام الفين وعشرة بدأ فصل جديد في دور العبادة فقد هجر المدينة الكثير من هذه الأديان إلى خارج الطبقة تحت تهديد السلاح من قبل الفصائل المسلحة؛ ومنها جبهة النصرة التي تعتبر بعض الناس كفاراً ومرتدين ويجب قتلهم وهدم دور عبادتهم أو تخريبها وسرقتها.

وفي عام الفين واربعة عشر م، إبان حقبة مرتزقة داعش، أصبح دور المقيمين على المسجد جلب الأهالي بالقوة والسياط بدليل حجز الهوية الشخصية لهم، وفي حال تأخر البعض لأداء الصلاة فرضت عليه عقوبة الجلد، وهذا مخالف لسماحة الإسلام وفهمه.

وكان معروفاً إن الحسبة تجبر الأهالي على دخول المساجد في أوقات الصلاة، أما بقية دور العبادة فحولها المرتزقة /ومنها الكنائس /لمخازن السلاح ومعتقلات، أما مسجد فاطمة الزهراء مع الحسينية فقد قام المرتزقة بتفخيخهما ومن ثم تفجيرهما بشكلٍ كامل.

وبعد تحرير الطبقة من قبل قوات سوريا الديمقراطية وطرد المرتزقة، عادت دور العبادة لدورها الحقيقي في نشر المحبة والإخاء بين جميع الشعوب والأديان التي عاشت على أرض الطبقة؛ ويأتي تأسيس مؤسسة الشؤون الدينية للحفاظ على دور العبادة في المنطقة، وأصبح الخطباء يعالجون فساد المجتمع وتحسين الأخلاق وإصلاح الفرد والمجتمع ولهم حرية الكلمة والمنبر، وأخذ الأهالي حريتهم في الذهاب إلى دور العبادة.

تأهيل دور العبادة من جديد

وفي لقاء مع مؤسسة الشؤون الدينية والتي أكدت أنه في زمن مرتزقة داعش كانت المواضيع محددة حول التكفير والشرك والبدع وقد صرفت أموال طائلة للأئمة والخطباء لنشر هذا الفكر التكفيري.

وتشرف المؤسسة على إصلاح وتأهيل دور العبادة في المنطقة ومنها جامع الفرقان؛ فتمت صيانته بشكلٍ كامل من (دهان، وبللور، وكهرباء، ومحراب، ومنبر)، وبلغت القيمة الإجمالية للإصلاح تسعة ملاين ليرة سورية، كما تعرضت بقية المساجد خلال الحرب لعدة حالات نهب وسلب وتكسير بللور وهدم لبعض الجدران، ولكن أعيد بناءها بعد تحريرها على يد قوات سوريا الديمقراطية، ويذكر أنه هدمت ثلاثة مساجد في حي عايد صغير وفي قرية هنيدة والحمام.

والجدير بالذكر أنه يتم تسليم دور العبادة للمقيمين عليها من أجل البدء بإعمار ما دمره مرتزقة داعش.