No Result
View All Result
المشاهدات 2
حمد خليل شيخ-
إن المسؤولية والحرية وارتباطهما بعظمة الإنسان يتطلب منه ثقافة التعايش وإحلال السلام ونبذ العنف وثقافة الظلم، ونشر فكرة العفو عند المقدرة وسعة الصدر والتسامح، وإذا كان العنف هو استعمال القوة أو كل عمل يضغط به شخص على إرادة الغير، وكان التسامح هو المعاملة الإنسانية من منظور الاحترام والتعاون الأخلاقي، فإن هذا يعني أنه لا يمكن الجمع بينهما، إذ إنه لا يمكن الجمع بين النقيضين، وهذا ما تجلى من خلال طروحات الكثير من الدارسين.
لكن في المقابل نجد من أكد أنه ينبغي التخلي عن فكرة الصراع انطلاقاً من أن الإنسان المعاصر أصبح يهدف إلى تحقيق الحوار الحضاري، لذا هل من الصواب الجمع بين الاعتقادين؟ وهل يمكن التصديق بالطرح القائل إن العنف لا يولد إلا العنف؟ أم أن العنف هو أصل البقاء والبناء؟ بل هل يمكن مقابلة العنف بالتسامح؟
إذا ما عالجنا الأمور بمثل هذا الطرح فإن العنف لا يقابله إلا العنف ولا يولد إلا الدمار والفساد وليس إصلاح الأمور، وبالتالي هنا يحطم العلاقات الاجتماعية، وينشر العداء والضغينة، فعلى الرغم من أهمية طرح هؤلاء لكن لا يمكن التصديق بما ذهبوا إليه، فالحقيقة أن فكرة العنف وجدت في المجتمعات البدائية ولا تتناسب مع صفة الإنسان المتحضر لأنه تعبير عن جريمة غير إنسانية.
وقد أثبث العلم أن الحيوانات تستخدمه من أجل حاجة بيولوجية فكيف للإنسان أن يستخدمه؟ إذ لا يمكن إخضاع التجمع الإنساني لقانون يحكم الحيوان مادام منفرداً بملَكة العقل، بل إن الدراسات التي قام بها العالم النفساني فروم أكدت أنه حتى الحيوان ليس عدوانياً إلا في لحظة البحث عن الطعام أو مواجهة خطر خارجي، فكيف يتنازل الإنسان عن قيمه الإنسانية إلى مرتبة الحيوانات، ثم إذا كان العنف عند الحيوانات له مبرراته ومشروعيته فإن ذلك لا ينطبق على المجتمعات الإنسانية، فالحيوانات كائنات غير عاقلة تفتقد الى اكتساب القدرة على مقاومة العنف بطرق سلمية.
وإذا كان العنف في المجتمع الحيواني غريزة دفاعية للحفاظ على البقاء فهو في المجتمع الإنساني أداة تدمير، فالطبيعة الإنسانية تميل إلى اللاعنف والسلم، لهذا شرعت القوانين وتعلمت من الحروب كيف تحافظ على الأمن والسلم ثم إن العنف لا يولد إلا العنف، وهذا ما يعني الصراع الدائم بين الآخر الذي نتشارك معه الحياة وعدم الاعتراف به.
تاريخ البشرية تاريخ اغتصاب الحقوق، لهذا من الطبيعي أن يواجه ذلك بالعنف كنوع من الدفاع عن النفس والحق كما أن تاريخ الثورات في العالم بدأت بطرق سلمية كالأحزاب السياسية، لكن هذا الأسلوب لم ينجح فاعتمد أسلوب ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة، كذلك عبرت بعض الدراسات المعاصرة أنه لا يمكن التخلي عن منطق القوة لأن الأخلاق من صنع الضعفاء وظفوها كوسيلة لحماية أنفسهم من الأقوياء.
وفي الخاتمة أقول: أخيراً يمكن التأكيد أن الإنسان طبق العنف من أجل البقاء في مرحلة أرغمته الظروف على ذلك، لكن التحولات التي عرفها التجمع البشري أصبحت تميل أكثر إلى التنظيم والحضارة مما يعني ضرورة التخلي عن فكرة الصراع، والتحلي بفكرة الإيمان بالتسامح والحوار الحضاري، هذا كله لا يخدم الفرد فقط بل يخدم المجتمع الدولي الذي يهدف إلي مشروع القرية الكونية التي يتم من خلالها إلغاء كل الحدود وكل أسباب التعصب، لكن حكمة الإنسان وعظمته تكمن في قدرته على قبول النقيضين في ذاته، فيقابل العنف باللاعنف وعدم المسامحة بالتسامح، وكأنه في مجال المفاهيم الأخلاقية يهذب التناقضات ويقارب بين المتضادات كمقاربات للتكيف.
No Result
View All Result