إعداد / عبد الرحمن محمد –
مزكين.. غربت آيدن… يأبى صوتها أن يرحل ويعانق الجبال ما دامت شامخة كقامتها، مازالت آذاننا، أفكارنا وكلَّ جوارحنا تعانق صوتها الثوري المجبول بالشجاعة والثأر والإقدام، قيل عنها الكثير وكتب عنها الكثير، ولعل أجمل ما قيل عنها ما كتبه رفيقُ دربها خليل غمكين في مذكراته ومما قاله: “أجل يا رفيقة الدرب ستبقين زهرة فرقة برخدان، وإن كان مكانك بيننا مازال يهيمن عليه الفراغ، لكن رفاقك الذين تأثروا بك من صميم قلوبهم لا يزالون مرتبطين بالروح الثورية والنضالية التي أكسبتِها لمن حولك.
أتذكَّر جيداً أنني تعرَّفت على الشهيدة مزكين للمرة الأولى في 1/12/1985م في مدينة “مناهيم” الألمانية، كانت شابة قوية الإرادة والجسارة لدرجة كانت تبدو أكبر من عمرها بكثير!، بالطبع الكثير من رفاقنا ومن أبناء شعبنا تأثروا بها وارتبطوا بنضالها، جميعهم كانوا يدركون أنَّ هذه الفتاة التي تكبر عمرها بنضالها، كانت قد تشبَّعت بالثقافة الثورية وتحمل قيماً أخلاقية وثورية عالية. لذا؛ فإنَّ شخصية كشخصية الشهيدة مزكين تحمل في جوهرها الثقافة الشعبية، ومن صميم هذه الشخصية كانت تُؤثِّر على محيطها الاجتماعي، ومن منطلق هذه الشخصية الثورية وبقيمها العالية وبأسلوبها وسلوكها الأخلاقي النبيل كانت تمضي في حياتها وكأنها تقول دائماً: “أيا شعبي إن ما عليه شخصيتي الآن هو من نِتاج هذه الثورة التي نعيشها، أنا المرأة الكردية الحُرَّة المنبعثة، أنا من فجر هذه الثورة، فقد نهلت من ثورة القائد آبو”.
لم تكن تعرف الاستسلام أو الركون قط، كانت سريعة الخُطا في البحث عن الحقيقة، الشهيدة مزكين كانت تدير نشاطات وفعاليات مركز (huner kom) للثقافة والفن، وفي أصعب المراحل وبتلك الإمكانيات والفُرَص البسيطة والمحدودة جداً، كانت تحمل في صميمها الكثير من التغيير على الصعيد الفنِّي والتوعية الاجتماعية، وكانت ذات عزيمة صلبة الإرادة كالحديد المصقول بالفولاذ، جُل قوتها المعنوية والنفسية كانت مرتبطة بعشق الثورة وطبيعة الجبال، كانت شخصية فذة مكتملة.
بالطبع كُلُّ من تعرَّف عليها من الرفاق وناضل إلى جانبها قد تأثر بشخصيتها واكتسب العديد من الخصال القيّمة، حقيقة عندما أبحث عمَّا حولي عن نضال المرأة الكردية تحضرني شخصية الشهيدة مزكين، تلك الشخصية التي مثَّلت حقيقة المرأة الكردية المتوازنة والمناضلة، كنت على مسافة قريبة من نضال الشهيدة، ونشاطاتها في مجال توعية المرأة، وتغيير الذهنية الرثة بالحس والشعور الوطني، لقد كانت تطهر العقول بالأخلاق والقيم الثورية، وما نلاحظه في مرحلتنا الراهنة من التقدُّم الكبير الذي طرأ على شخصية المرأة الكردية، هو نتاج نضال طويل ومستمر وشاق.
وأضاف: “كانت مزكين تلك الشخصية المبدعة للأفكار وبقيمها وفكرها ومعرفتها الواسعة كانت تُكسب الآخرين حولها من معينها الثر، وهذا بالطبع نتاج فكر وفلسفة القائد عبد الله أوجلان ومن مبادئ وسياسة ثورة التحرُّر الكردستانية تجسَّد في شخصية الشهيدة مزكين، لقد كانت تمثل تلك السياسة الصادقة والحقيقية طيلة سنوات نضالها، لدرجة يصعب على المرء وصف هذه الشخصية المتوازنة في كلِّ جوانبها”.
مزكين كانت شخصية تُلهم المرء لدرجة لو استجمع كلَّ طاقته الفلسفية والفكرية واستجلب كل ما في أعماقه الإنسانية من ضميرٍ ووجدان ربما فلن يستطيع أن يفيَ وصف وتقييم تلك الشخصية الثورية؛ شخصية المرأة الكردية الأصيلة، بجملة واحدة يمكن القول: “لقد تمكَّنت مزكين بقوة إرادتها من أن تُمثِّل حقيقة فلسفة ثورة الحرية، التي أصبحت منبعاً للقيم والمعنويات”.
وتابع خليل غمكين: “بالنسبة لي كانت رفيقة ومثالاً للصداقة الأصيلة، آخر عمل مشترك بيننا كان في شهر أيار سنة 1987م، وبعد تحضيرات طويلة لإنجاز ألبومين، الألبوم الذي كنا نعمل عليه من أجل ذكرى “الشهيد عكيد” وكان بعنوان (Ey botan) وألبوم (kûla cîhanê) كان هذا العمل المشترك الأخير بيننا في فرقة برخدان.
كنّا نستمد منها الكثير من المعنويات، ونثابر في العمل الفني الثوري، وبعد فترة قررت الرفيقة مزكين أن تعود إلى الوطن حيث كانت حركة التحرر الكردستانية تقارع العدو، واشتد ضغط قبضة الأعداء على حركة التحرر الكردستانية في أوروبا صيف 1987وكان له تأثير على نشاطاتنا السياسية والاجتماعية والفنية، وبالطبع كان المستهدف في المقام الأول مركزنا والرفيقة مزكين”.
غادرت مزكين أوروبا تاركةً أثراً كبيراً على كل رفاقها في فرقة برخدان وعلى كل من تعرف عليها من أبناء شعبها هناك، عادت إلى ساحة المعارك في باكور كردستان، وبعد مرحلة حافلة بالنضال والكفاح استشهدت في منطقة “تتوان” والتحقت برفاق دربها عكيد ومظلوم وصفقان والمئات من مناضلي الحرية.
مسيرة حياتها وشهادتها على الأرض المقدسة ملحمة جديدة أضيفت إلى ملاحم رفاق الجبال ونضالهم في سبيل الحرية والديمقراطية.
