سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

2023.. سنة أخرى من الآلام مرّت ونستقبل أخرى

عبد الرحمن ربوع_

كسابقاتها من سنوات الآلام؛ مرت سنة 2023 على سوريا مُثقلة بالكثير من الجراح والخراب، حيث تعرضت مناطق شمال سوريا لاعتداءات وحشية شنتها الدولة التركية أوقعت مئات الشهداء الأبرياء ودمرت مئات المواقع السكنية والمنشآت الاقتصادية.
فمن بين أكثر من 900 استهداف في 2023 نفذه الجيش التركي؛ تعرّض أكثر من 800 موقع مدني (منازل، مشافي، منشآت زراعية أو صناعية) لقصف جوي أو مدفعي أو صاروخي. وفي آخر هجوم تم استهداف معمل أوكسجين في قامشلو تدعمه الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية مكرّس للخدمات الطبية والمدنية. ومركز “مشته نور” الصحي في مدينة كوباني بريف حلب، تدعمه منظمة أطباء بلا حدود. وأسفر عن مقتل عشرة أشخاص مدنيين بينهم امرأتين، وإصابة العشرات بينهم نساء وأطفال.
وتتذرع تركيا، كالعادة، في تبريرها للحرب الوحشية والهمجية التي تشنها على مناطق الإدارة الذاتية بمحاربة قواعد وكوادر حزب العمال الكردستاني الذي تصنّفه منظمة إرهابية. زاعمة أن له تواجدًا ونشاطًا في سوريا. رغم نفي الحزب نفسه لذلك، ونفي المؤسسات الرسمية في المنطقة لهذه المزاعم. كما أن قوائم الضحايا، وكلهم سوريين، تطيح وتفنّد كل هذه المزاعم السخيفة. كذلك تدّعي مكافحة نوايا انفصالية لمجلس وقوات سوريا الديمقراطية رغم عدم وجود دليل واحد على هذه المزاعم والادعاءات.
ولأن الوضع في سوريا، كما يعلم الجميع، لا يسمح لأي قوة بمواجهة أو حتى مقاومة هذه الاعتداءات المتكررة يوميًا؛ يتعيّن قيام المجتمع الدولي بالحدّ الأدنى من دوره ووظيفته لإيقاف هذه الحرب العبثية غير المبررة. لكن حتى الآن، وبسبب الصراعات والتجاذبات الدولية والإقليمية في سوريا، تفشل المنظومةُ الدولية في وضع حد لكل ما يجري في سوريا، سواء انتهاكات داخلية أو اعتداءات خارجية، بما فيها الاعتداءات التركية.
ورغم كل ما قدمته قوات سوريا الديمقراطية من دلائل عملية على كونها قوات وطنية سورية فرضت الأمن والاستقرار في مناطق تواجدها، وحاربت الإرهاب والتطرف، وحمت حدود البلد وصانت وِحدتها، وحظيت بثناء السوريين والمجتمع الدولي إلا أنها ما تزال في مرمى الاتهامات والاستهدافات التركية.
ومع أن هذه القوات كانت ومازالت ركيزةً أساسية في محاربة الإرهاب في سوريا، وشريكًا رئيسيًا للتحالف الدولي ضد داعش الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية، ويضم فيما يضم دول الناتو بما فيها تركيا؛ إلا أن ذلك لم يشفع للمنطقة التي تحميها هذه القوات وتضم ملايين السوريين، مواطنين وممهجرين، أن تنعم بالأمن والسلام الذي تستحقه جرّاء ما تقوم به تركيا.
ثم ما معنى أن تبني الولايات المتحدة شراكة استراتيجية مع قوات سوريا الديمقراطية فيما هي ترى وتلمس مخاوف مواطني المنطقة بشأن الجرائم التركية اليومية سواء بحق الأرواح أو تجاه البنى التحتية، دون أن يكون بمقدورها التصرف بإيجابية حيالها؟!
فضلاً عن ذلك، يدّعي العديد من المسؤولين في كلا البلدين (الولايات المتحدة وتركيا) أنهما حليفتان، وأن بينهما تعاون وتنسيق في كافة المجالات وعلى كافة المستويات، لكن حين يصل الأمر إلى سوريا تفترق وجهات النظر وتتضارب المصالح. لتستبيح تركيا الأجواء والأراضي السوريّة مرتكبة أفظع الجرائم غير المبررة. فيما تعلن الولايات المتحدة حرصها على أمن واستقرار المنطقة ومنع الاعتداء عليها!
ونفس الوضع ينطبق على بقية الحلفاء سواء دول الاتحاد الأوروبي أو الدول العربية، التي لم تُجدِ علاقاتها مع الحكومة التركية في كفّ يدها عن ارتكاب ما ترتكبه من اعتداءات وجرائم يوميًا. رغم كل بيانات الإدانة والمطالبات الرسمية بوقف التجاوزات الخطيرة. بما فيها الهجمات العسكرية التي شنها الجيش التركي تحت تسميات من قبيل “درع الفرات” و”غصن الزيتون” و”نبع السلام”.. والتي لم ينتج عنها إلا تخريب ديموغرافية البلد. فضلاً عن آلاف الضحايا والإصابات وتهجير مئات الآلاف من السكان.
وفيما نُلقي باللائمة على تركيا وغيرهم من قوى خارجية تعبث بأمن وسلام واستقرار وحاضر ومستقبل البلد وأرواح أهلها، يجب أن لا ننسى أن بعض الأطراف السوريّة شريكة في الوِزْر. بل يقع عليها الوزر الأكبر. وزر الدماء البريئة التي تسفك على التراب السوري سواء بيد السوريين أنفسهم أو بتأييدهم لقوى الاحتلال وجرائمها ومباركتهم لها. وشماتتهم المقززة بمواطنيهم وأولاد بلدهم، وهذه الأوزار لا تسقط بالتقادم، وسيأتي يوم يُعاد فيه بناء حكومة دمشق، ويحاسب الجميع على ما ارتكبوه من جرائم بحق هذا الوطن وأبنائه وبناته.