هل تخلصت نساء دير الزور من عبء سنوات سيطرة مرتزقة داعش؟

الحسكة/ آية محمد –

أكدت إدارية مجلس المرأة لحزب الاتحاد الديمقراطي في دير الزور “هدى غنام” أن المرأة الديرية هي امرأة عصامية وقوية، وتحدت الظروف وحاولت النهوض بواقعها، وهي الآن تخوض دورها في المجالات كافة.

لطالما عانت نساء من دير الزور تحت هيمنة مرتزقة داعش من التهديد المستمر والضوابط القهرية، حيث تعرضن لأبشع أنواع التعنيف والعقوبات الصارمة، فقد فرضت مرتزقة داعش على النساء أثناء سيطرتها على ريف دير الزور الكثير من التشريعات الصارمة، والقوانين المجحفة بحقهن.

كما أدى تواجد المرتزقة لسنوات عدة في المنطقة، إلى خلق منظومة أخلاقية شكلية باتت متجذرة في عقول الأهالي، ونجحت بغرس الأفكار الذكورية والمتطرفة، التي أثرت بشكل كبير على سلوكيات الفرد ابتداءً من المفردات التي مازالت متداولة حتى اليوم في البيت والشارع، وفي التبادلات التجارية بالأسواق، وانتهاءً بالذهنية الذكورية والتشريعات الصارمة، فقد ركزت المرتزقة في تعاملها مع الأفراد على ظاهر الأمور وقشورها، والتدين الظاهري الذي أدخلته على المجتمع متجاهلة المضمون الجوهري للدين.

وفي هذا السياق توضح إدارية مجلس المرأة لحزب الاتحاد الديمقراطي في دير الزور، هدى غنام، “عانت المرأة في دير الزور كثيراٌ على يد مرتزقة داعش في الفترة ما بين 2014 وحتى آذار 2019 يوم تحريرها بشكل كامل، إذ فُرض عليها ارتداء اللباس الأسود، ومُنعت من الخروج من المنزل إلا برفقة “محرم”، كما مُنعت من العمل والتعليم، ولعب دورها في المجتمع”.

وأضافت هدى: “ولكن الآن وبعد مرور خمسة أعوام على تحرير المنطقة من مرتزقة داعش، بدأت النساء في هذه المنطقة استجماع قواهن والانخراط في إدارة المجتمع، فتعد فترة سيطرة المرتزقة فترة الظلام الحالك، والعيش في الظل، فقد كانت المرأة مهمشة ومغيبة بشكل كامل”.

وأردفت هدى “مع دخول الإدارة  الذاتية الديمقراطية إلى دير الزور عاد دور المرأة تدريجياً، وأثبتت نجاحها في كثير من المجالات، وأصبحت تشكل نسبة متساوية مع الرجل، إلا أنها على صعيد السياسة لم تكن تأخذ حقها بشكل كامل لعدم وجود قاعدة سياسية في المنطقة، أو بسبب فكرة الخوف من العمل السياسي التي زرعها نظام حكومة دمشق، لكن بعد دخول حزب الاتحاد الديمقراطي إلى دير الزور وتوافد الأحزاب الأخرى، وتوضيح الصورة المغلوطة عن العمل السياسي والمشاركة الايجابية للأحزاب وتفعيل دور المرأة، وترسيخ مبدأ الحياة الندية التشاركية كان ذلك له أثر فعال في تفعيل دور المرأة السياسي خاصةً بعد إضفاء طابع التعددية الحزبية، وإلغاء نمط سياسة الحزب الواحد، التي كانت سائدة قديماً، ويعدُّ تمثيل المرأة في الأحزاب السياسية نجاحاً يضاف إلى نجاحات فكر ونهج القائد عبد الله أوجلان”.

فكر داعش ما زال متجذراً في العقول

لقد أوحى فكر مرتزقة داعش للناس أن ارتداء الحجاب وحده غير كاف للالتزام الديني للنساء، وأن ارتداء الدرع، والنقاب هو اللباس الشرعي الصحيح، وبعد خروج المرتزقة من المنطقة لم تنته معاناة النساء، فلم يكن من السهل عليهن تجاوز الذهنية الذكورية، التي خلفتها مرتزقة داعش وراءها وتخطي العادات والتقاليد السائدة وثقافة العيب.

وحول هذا تقول هدى: “انقسمت نساء دير الزور إلى قسمين، قسم مازال ملتزماً بالواقع الذي فرضته مرتزقة داعش عليهن خوفاً من عودة المرتزقة أو ظهور خلاياها النائمة التي تخرج من هنا وهناك وفي غير مناسبة، وإما بسبب التشدد الذي غرسته المرتزقة في عقول عائلاتهن، فمازالت بعض العوائل تمنع بناتها من الدراسة، والخروج من المنزل ومزاولة أعمالهن، أما القسم الثاني من النساء فقد خلعن النقاب والدرع منذ اللحظة الأولى لتحرير المنطقة واخترن العمل في مجال توعية الآخرين، ومساعدتهم للتخلص من الفكر الداعشي”.

الصعوبات

وعن الصعوبات والمعوقات التي تواجه المرأة في دير الزور بينت هدى: “تواجه المرأة في دير الزور صعوبات عديدة منها العادات والتقاليد لأن المنطقة هي منطقة عشائرية، وأيضاً سيطرة الفكر الذكوري الذي لم نتعافَ منه بشكل كامل، وأيضا الوضع الأمني الغير مستقر والوضع الاقتصادي وظاهرة تعاطي المخدرات، والاستغلال الجنسي أغلب هذه الصعوبات تترك لدى المرأة شعوراً بالتردد من الخوض في العمل، وأخذ حقها”.

تمكين سياسي للمرأة

يعد ملف المرأة من الملفات، التي تعتني بها الإدارة الذاتية الديمقراطية لدرجة كبيرة، وخاصةً في إطار تنظيمها، وفتح سوق العمل لها في مختلف مفاصل الإدارة، فعلى الرغم من الصعوبات والعوائق، إلا أن اليأس لم يعرف طريقاً إلى قلوب نساء دير الزور، فهن يعملن جاهدات على استجماع قواهن من جديد، ويحاولن بكل ما أوتين من صبر وإرادة تذليل العقبات للانخراط في المجتمع من جديد وإثبات ذواتهن.

وأوضحت هدى، إن المرأة في دير الزور لعبت دوراً فعالاً لكن ليس بالشكل الكافي، وتعزو ذلك لعدة أسباب “ذكرتها سابقاً”، مشيرةً إلى أنه مجرد دخول المرأة في الإدارة الذاتية الديمقراطية يعدُّ نجاحاً وتمثيلها في المؤسسات كافة بما فيها القطاع العسكري، وأيضاً خوضها العمل السياسي، هذا بحد ذاته نجاح للمرأة بدير الزور؛ لأن انتقال المرأة من ربة منزل إلى امرأة قيادية وسياسية ليس بالأمر السهل.

وأردفت هدى: “كي تأخذ المرأة دورها بشكل فعال يجب أن تكون في بيئة آمنة هذا الذي نفتقده حالياً في دير الزور، فسنوات الحرب أثرت بشكل كبير على المرأة وتعليمها وأيضاً تبعات هذه الحرب والنتائج السلبية، وخاصةً أثناء سيطرة مرتزقة داعش على دير الزور حيث اضطرت بعض النساء للخروج من دير الزور، والنساء الباقيات كن ضحية أفكار المرتزقة وزرع الخوف في قلوب النساء، وهذا هو العامل الذي نعاني منه إلى وقتنا هذا، حتى بعد دخول الإدارة الذاتية، والفتن الأخيرة التي حصلت في دير الزور أعادت عامل الخوف إلى قلوب النساء”.

وبيّنت هدى، أن هناك مشاريع كثيرة تخص المرأة مازالت قيد الدراسة والتخطيط، مطالبة بمزيد من الدعم للمنطقة، فهناك عدد كبير من المطلقات والأرامل اللواتي فقدن أزواجهن فترة حكم مرتزقة داعش والمعارك التي شهدتها المنطقة، وهن بحاجة إلى جميع أنواع الدعم كي يتمكنَّ من الاعتماد على ذواتهنَّ وإعالة عوائلهنَّ.

وأكدت إدارية مجلس المرأة لحزب الاتحاد الديمقراطي في دير الزور “هدى غنام” في ختام حديثها، أن المرأة الديرية هي امرأة عصامية وقوية وتحدت الظروف وحاولت النهوض بواقعها، هي الآن امرأة سياسية وقيادية ومربية ومدربة وهي الآن تخوض دورها في المجالات كافة، حتى في مجال العمل الإنساني، فكان لها الفضل في توعية النساء ومساعدة العائدات من المخيمات وإعادة دمجهن ضمن المجتمع.

وعلى الرغم من النشاط الواضح لنساء دير الزور خلال السنوات الماضية، إلا أنهن لم يستسلمن لواقعهن، فلا يزال أمامهن طريق طويل للحصول على حقوقهن كاملة، ونيل حريتهن في ظل مجتمع شرقي شبه منغلق، تطغى عليه الذهنية السلطوية الذكورية وتتحكم فيه العادات والتقاليد، وأنهن ورغم كل شيء ما زلن يعملن على إثبات جدارتهن في تطوير وبناء المجتمع والنهوض من جديد دون كلل أو ملل.