نهرا الخابور والجقجق… من العطاء إلى النضوب فما السبب؟!!

الحسكة/ آلان محمد ـ

كان نهرا الخابور والجقجق مصدرين للخير وشريانين رئيسيين لمقومات الحياة في مدينة الحسكة وريفها, ولكن تحولا إلى مجريين دون مياه, ونال منهما الجفاف الحاد اليوم.

لحق القحل بكافة الأراضي الزراعية الواقعة على سريري النهرين, والتي كانت تروي مساحاتٍ شاسعةً من الأراضي, حيث كانت تعتبر منابع الخير والعطاء لأبناء المنطقة, وازدهرت الزراعة ونمت الثروة الحيوانية, وتزينت الأراضي بلون الخضار والخير, حتى وافتهم المنية وذهبا ضحيةً لمجرم الحرب بحق البشر والطبيعة, إجرام دولة المحتل التركي بتعمدها قطع المياه عن شرايين النهرين, وثقب الرئة الحيوية عن ملايين البشر ومئات الآلاف من الهكتارات الزراعية.

نهر الخابور قلب الجزيرة النابض

من المعروف بأنَّ منابع نهر الخابور الرئيسيةِ في مدينة سري كانيه, ذات المياه العذبة والغنيةِ بالمعادن, وكانت مياه النهر تذهب عبر قناتها مارةً بمدينة الحسكة وصولاً إلى مصبها في نهر الفرات العظيم في مدينة دير الزور, بعد أن يصافح شقيقهُ نهر الجقجق, فتحوّلت مدينة سري كانيه إلى مقصد سياحي ومتنفس فريد لأهالي باقي المناطق في شمال وشرق سوريا, وساهمت في انتعاش القطاع الزراعي لدرجةٍ مذهلةً وملفتةً, فتحول إقليم الجزيرة في ذلك الحين إلى خزان القمح والشعير والقطن الذي يمثل عماد القطاع الزراعي في سوريا قاطبةً, وسلة سوريا الغذائية التي تنتج ما يقارب 80 بالمئة من إجمالي الإنتاج.

ونستذكر بعض الأسماء لتلك الينابيع الجميلة في مدينة سري كانيه, نبع (البانوس) ونبع (الفانوس) ونبع (الريم) ونبع (عين الزرقاء) ونبع (عين الحصان) ونبع (الجاموس) والكثير من الينابيع الأخرى العذبة والنقية, وكان أهمها نبع الكبريت الذي كان يُعتبر ثاني أكبر نبعاً كبريتياً طبيعياً في العالم, وكان يستحضر السياح والزوار من العديد من الدول على مستوى العالم, ومياههُ تستخدم للعلاج, فكل هذهِ الينابيع كانت تُشكل المصدر الرئيسي لنهر الخابور, وكان يزور النهر العديد من الطيور النادرة ويحتوي على أفضل الأنواع من أسماك المياه العذبة, بالإضافة لزهرة اللوتس النادرة التي كانت تُزين أفق النهر.

جريمةُ مع سبق الإصرار

أُقيمت العديد من المشاريع التنموية والخدمية على نهر الخابور, نظراً لغزارة مياههِ فقد كان مقياس المياه فيهِ في سبعينيات القرن الماضي يعادل 45 متر مكعب بالثانية, فبنيت السدود على طول النهر, ودشنت العديد من قنوات الري لاستفادة عدة قرى من مياه الشرب, وري الأراضي البعيدة في مناطق الشدادي ومركدة, حتى بات يمثل القلبُ والرئةُ لتلك المناطق, إلى أن جفَّت الأنهار وروافدها بشكلٍ كامل, فصحيح أن ينابيع الخابور كانت في مدينة سري كانيه ولكنها كانت مرتبطةً بشكلٍ وثيق مع كمية المياه الجوفية التي تغذيها الينابيع الأخرى في باكور كردستان, ومجاري وقنوات الفيضانات القادمة من تركيا, فتعمدت دولة الاحتلال التركي عن طريق دراساتٍ خبيثةٍ لقطع المصادر عن تلك الينابيع, وكانت النتيجة كارثية في خطوةٍ إجراميةٍ متعمدة وعن سابق تخطيطٍ وإصرار وترصد, ليتحول النهرين “الجقجق والخابور” في الوقت الحالي إلى مجرى دون مياه استعاض عنها بمياه الصرف الصحي ذات الرائحة النتنة التي مصدرها المجارير المجاورة للنهرين, لتمنحهُ قدراً كبيراً من الأوساخ والنفايات التي تعجُّ بالحشرات والقوارض, أي تحول منسوب المياه داخل النهرين إلى صفر.

تجاهل الاتفاقيات الدوليّة

توجد العديد من الاتفاقيات التي تعطي لكلِّ دولةٍ تمر بها أنهاراً حقوقاً وحصصاً حسب الاتفاقية المُبرمة ما بين تلك الدول ولا يجوز لدولةٍ أن تستفيد أو تحرم دولةً أخرى من هذه الحقوق, ومنها اتفاقيةً بين الحكومة السوريّة وحكومة دولة الاحتلال التركي على عدم انخفاض منسوب المياه في نهر الفرات لأقل من 500 متر مكعب, كمثالٍ على إحدى الممارسات المرادفة لقطع مياه الشرب وتجفيف الينابيع المتعمد, ضاربةً بعرض الحائط كافة المواثيق الدولية والأعراف القانونية بهذا الخصوص, بل ذهبت لأبعد من ذلك بكثير, إذ لا زالت تقطع مياه الشرب الرئيسية عن مدينة الحسكة برمتها لِتُعطّش أكثر من مليونين إنسان, مع العلم بأنّ مياه الشرب القادمة من محطة علوك ذات مصدر صناعي أي مرتبطة بآبار محفورة وتعتمد المضخات الكهربائية كي تصل إلى مدينة الحسكة, ما أدى إلى تغيير ملامح الخارطة الزراعية بالكامل وتراجع الإنتاج الزراعي وتأثره مباشرةً بهذهِ الممارسات.

ولازالت دولة الاحتلال التركي تستنزف المياه الجوفية لتُكمِل أركان جريمتها بقطع المياه عن سوريا بالكامل, ويبقى الأمر متروكاً برسم المنظمات الحقوقية ومجلس الأمن لتدرك البشر والطبيعة من هذا الإرهاب الدولي الذي ترتكبه دولة الاحتلال التركي ومرتزقتها.