نسرين آكارسال: احترام “ناكهان” وتقدير جهودها خلّداها

لم تكن “ناكهان آكارسال” مجرد امرأة عادية، ولا فتاة كردية فحسب، ولا ناشطة فعالة في مجال حماية البيئة، وعاشقة للطبيعة فقط، بل كانت كتلة من النشاط والحيوية والنضال، تجسدت في شخصية امرأة نذرت روحها لكل ما هو جميل وغال ومستدام، عرفت كيف تجذب إليها المئات من عشاق الحرية، والساعين إلى حياة حرة، فكانت محط إعجاب كل من حولها، وعندما ارتقت فوق كل ذلك إلى مراتب الخلود، أصبح اسمها يتردد على كل الشفاه، وكلماتها تتردد على لسان آلاف من محبيها، هكذا يخلدها التاريخ وينهزم كل جبان كانت له يد في الغدر بها.

نسرين آكارسال شقيقة الشهيدة ناكهان أشارت إلى استذكار شقيقتها في أنحاء العالم كلها، وذكرت أنّ الشهيدة ناكهان تمثّل أصوات هؤلاء النساء اللواتي تقدّر جهودها. “إنّ استذكار، صرخات وأصوات النساء، اللواتي تقدّر جهود ناكهان في أنحاء العالم كلها، تمثّل ناكهان، فاحترام ناكهان وتقدير جهودها خلّداها”.

الناشطة في علم المرأة والأكاديمية والصحفية ناكهان آكارسال، كانت قد استشهدت في الرابع من شهر تشرين الأول، هذا العام في هجومٍ مسلّح تعرّضت له في مدينة السليمانيّة في باشور كردستان، حديث نسرين آكارسال جاء من خلال حديث لها مع وكالة هاوار.

“لقد كانت رقيقةً للغاية”

تحدّثت نسرين آكارسال عن طفولة شقيقتها قائلةً: “نجت من العديد من الحوادث في طفولتها، فقد سقطت في وعاء حليب مغلي وخضعت للعديد من العمليات، لقد كانت علاقتها بوالدي جيّدةً جداً، لم تؤذِ أحداً يوماً، لم أجدها في خلافٍ مع أحدٍ يوماً، لقد كانت تقوم بالإصلاح دوماً فقد كانت تشعر بالمسؤولّية تجاه نساء حيّنا، وتسعى لفعل أشياء جيّدة لهن، كانت تقوم بتوعيتهنّ وتجمعهنّ، وتزورهنّ، وتستمع لمشاكلهنّ واحدةً تلو الأخرى، وتحاول حلّها”.

الشهيدة ناكهان: نحن جميلون وأصيلون جدّاً

وتحدّثت نسرين آكارسال عن ذكرى الشهيدة ناكهان قائلةً: “كانت تستمع لهمومنا جميعاً وتطمئننا، كانت تحبّ عائلتها جدّاً. كانت تريد منّا أن نصون دربها، لكنّنا تعاملنا دائماً بشكلٍ عاطفي، ولم نكن نريد أن تغادر، لكنّها كانت تقول دائماً “لا أرى نفسي أنتمي إلى هنا، لا أستطيع القيام بشيءٍ هنا، ولا أن أكتب شيئاً، فالكتابة فيما يتعلق بي هي الحريّة‘”.

وأشارت نسرين آكارسال إلى أنّ الشهيدة ناكهان كانت تحبّ شعبها جدّاً، وقالت: “كانت تحترم شعبها، وتحبّهم وتستمع لهم. وكانت تقول دائماً: نحن جميلون وأصيلون جدّاً”.

ذكرى لا يمكن نسيانها قط

تحدّثت نسرين عن إحدى ذكرياتها أثناء زيارتها لشقيقتها في السجن، قائلةً: “عندما ذهبت لزيارتها، حاولتْ التحدّث بصوتٍ عالٍ خلف القضبان الحديديّة، والزجاج السميك، مدّت يدها إليّ وطلبت منّي لمس الجروح في أصابعها، في تلك اللحظة بكينا معاً كثيراً”.

وذكرت نسرين آكارسال، إنّ إخلاص الشهيدة ناكهان تجسّد أكثر بعد استشهادها، وقالت: “فهمت بشكلٍ أفضل اليوم أنّ إخلاصها لن ينتهي يوماً، وسيستمر في جراحها وقلبها والألم، الذي تركته لعائلتها، لقد رأيت أنّها بذلت جهوداً كبيرة”.

“نحن غاضبون”

وقالت نسرين آكارسال: “نعلم أنّ ناكهان لم تستحق أن تُقتل هكذا، قالوا: إنّه تمّ اعتقال القاتل، لكنّنا لم نتمكّن لا من سؤال أنفسنا ولا من سؤال أحد من هو؟ أي نوعٍ من الأشخاص هو؟ وكأنّنا فقدنا قلوبنا وعقولنا، نبذل قصارى جهدنا لئلًا نفكّر بالأمر، كأنّنا نخدع أنفسنا، إنّه ألمٌ كبير، لا يمكننا تقبّل مثل هذا الموت، نحن غاضبون، فليُعاقب المسؤول عن كلّ قطرة دمٍ سفكها، بلا ضمير، بتأنيب الضمير، لأنّ الضمير هو أكبر عقابٍ للأشرار”.

وأشارت نسرين إلى أنّ الجميع أحبّ الشهيدة ناكهان بسبب إرادتها، جهودها، كتاباتها ونتاجاتها، وتابعت حديثها قائلةً: “لم تطلب منّا شيئاً أبداً، كانت تستمع إلينا على الدوام، وتسعى لاستيعاب جميع مشاعرنا، منذ استشهادها وأنا أفكر دائماً، وأتمنّى لو كنّا نمتلك شخصيّةً قويّةً مثل شخصيتها، إنّها روحنا”.

من هي الشهيدة ناكهان آكارسال؟

وُلدت الشهيدة ناكهان عام 1976 في قرية خليكان التابعة لناحية جيهان بيلي في قونيا في الأناضول الأوسط، ودرست مراحل تعليمها الابتدائي، والإعدادي، والثانويّ هناك، لديها أربعة أخوة، ودرست في كليّة الصحافة والإعلام في جامعة غازي في أنقرة، وشاركت لفترةٍ قصيرةٍ خلال دراستها الجامعيّة في أنشطة اتحاد شبيبة كردستان (YCK)، واُعتقلت عام 2001 إلى عام 2007 بزعم أنشطتها السياسية في الجامعة، وعملت بعد خروجها من السجن كمحرّرة ومراسلة في وكالة دجلة للأنباء بين عامي 2008 و2014. وبهدف تعميق فهمها لحريّة المرأة، تابعت خلال هذه الفترة الدروس المتعلّقة بالمرأة في جامعة حاجتبة، كما شاركت في تأسيس أوّل وكالةٍ للمرأة، وكالة (JINHA) وقامت بالكثير من الأبحاث في علم المرأة (الجنولوجيا). فقد كانت تقوم بأبحاثها هذه في أكاديمية الجنولوجيا، وشاركت الشهيدة ناكهان أيضاً في عملية تأسيس مجلة الجنولوجيا، وكانت عضوةً في هيئة النشر في المجلّة، ونشرت فيها مقالاتها أيضاً.

جهودها وشغفها

أجرت الشهيدة ناكهان العديد من الأبحاث، وقامت بالعديد من التدريبات في روج آفا، باكور وباشور كردستان، واستمرّت بإجراء الأبحاث الاجتماعيّة في عفرين وشنكال بعد عام 2018، وقدّمت عشرات التدريبات والندوات والمحاضرات عن الجنولوجيا في باشور كردستان، وعملت على تأسيس مركز الأبحاث والمكتبة، والأرشيف الخاص بالمرأة الكردية، وقد كان شغفها الأكبر استكمال عملية التعرّف على حقيقة القائد عبد الله أوجلان، التي تحوّلت إلى مقدّمة رواية.

يُشار إلى أنّ الصحفية والكاتبة، وعضوة مركز جنولوجيا للأبحاث؛ ناكهان آكارسال قد استشهدت في هجومٍ مسلّح، تعرّضت له في مدينة السليمانية في الرابع من شهر تشرين الأول، وأفاد البيان الكتابي لآساييش السليمانيّة، أنّه تمّ إلقاء القبض على مرتكب الهجوم، لكن لم يتم تقديم أي تفاصيل، أو أي معلومات أخرى حول عقوبة القاتل.