نساء سوريات فرقتهن الحرب لتلم شملهن مائدة الوطن..

تقرير/ غزال العمر-

روناهي/ جل آغا – بعيداً عن أوجاع النزوح والتهجير ولزرع البسمة على شفاه متعطشة لها، تم وبسواعد عشرين امرأة مهجرة من ست مدن تقع في شمال وشرق سوريا بكافة شعوبها، كرد وعرب وسريان وعلى أرض مدينة رميلان، رعاية فعالية نسائية تراثية.

لتعريف بعضهن بهوية وطبخات تتميز وتشتهر بها مختلف المناطق السورية؛ انطلقت مؤخراً وبتاريخ 12/11/2020 من قبل منظمة سند لمساندة السلام؛ فعالية تراثية على يد نساء من مختلف الشعوب السورية، حيث تم التحضير لهذه الفعالية خلال ثلاثة أيام متواصلة.

عفرين عانقت دير الزور على مأدبة طعامٍ واحدة، وابنة الفرات الرقة رحبت بالجارة منبج، وقامشلو مسحت بحنانٍ دمعات فرحٍ لسري كانيه/ رأس العين في لقاء جميل تناست فيه النسوة أحزاناً وتعباً قد كتبتها عليهنَّ لعنة الحرب؛ لم تكن رائحة الطعام وحدها من تعبق وتسيطر على المكان بل كانت رائحة التاريخ والتراث والفلكلور؛ البساطة والمحبة تتصاعد من قدورهن ونكهة طبخاتهن.

طعام بنكهة الحنين والأمل

استضيفت النساء في هذه الفعالية ليس لمجرد الطبخ والأكل وإنما كخطوة ليتعرفن ويندمجن وينخرطن بشعوب المنطقة ليجتمعن تحت سقف هذا المطبخ نساء قاومن الاحتلال بالأمل والإرادة فلكلٍّ منهن حكاية ترافق طبختها ولكلٍّ منهن ذكرى وذاكرة؛ طعامٌ بنكهة الحنين والأمل؛ والفكرة أكبر من الطعام، إنها مناسبة وملتقى للتعارف؛ للاندماج، وللقضاء على التفتت الاجتماعي والفتنة التي يحاول الاحتلال التركي زرعها بضربه لشعوب المنطقة ببعضها البعض، هذا ما أجمعت عليه النسوة الحاضرات التي شاركتهن صحيفتنا فرحتهن باللقاء.

المشاركات يتبادلن وصفات الطعام

على طرف منزوٍ وقفت عروبة العيسى ذات الأربعين عاماً على قدر طبختها، وكلّها شغف لتأكل وتُعرِّف قريناتها الحاضرات على تراث مدينتها “الرقة”، فقالت بهذا الخصوص: “يبقى للمحشي الفراتي وخبز الصاج نكهته المميزة؛ فنحن نطبخه بطريقة تختلف عن طريقة أخواتنا المردلية وغيرهن في قامشلو، وتواعدنا بأن تجرب كلّ واحدة طريقة طبخ الأخرى”.

كما وأبدت عروبة سعادتها لمشاركتها في هذه الفعالية، حيث نوهت بأنها “تناست هموماً وآثاراً نفسية خلفها مرتزقة داعش في ذاكرتها”.

لكن هل يختلف المحشي الرقاوي عن المردلي؟ هذا ما جاوبت عنه عائشة درويش (43 عاماً) من قامشلو، وتابعت: “لا تختلف مكونات الطبخة وإنما طريقة التحضير؛ فالمحشي المردلي لا نضع اللحم في حشوته وإنما في قاع الوعاء، لكني أحببت طريقة أهل الرقة ومتشوقة لتذوقها وسأجربها”.

وتابعت عائشة درويش عما تقدمه هكذا فعالية لأهل وأبناء المنطقة قائلةً: “وهل هناك أجمل من لمِّ شملٍ فرقته الحرب؟!”.

ولكن هل يطيب الطعام والكلام إلا بحضور أهل دير الزور؛ فالبامية الديرية لم تغب عن الحضور؛ حيث حدثتنا المشاركات عن شهرة دير الزور بها وبأنّها لا تُطبخ ولا تُقدم إلّا لضيف عزيزٍ وغالٍ.

وحملت نساء عفرين حب الوطن بقلوبهن عبر تمسكهن بأكلةٍ لبنيةٍ تراثية بسيطة تسمى (بوراني) وهي عبارة عن “حمص وعدس وكوسا وبندورة ولبن”، بحسب تعبير الشابة مجدولين علو ابنة عفرين الحالمة بالعودة. و”لحلب وكبتها مذاقٌ مميز يميزهالاعن كافة أصناف الأطعمة الحلبية كلها”، هكذا تشرح إحدى المشاركات الحلبيات لإحدى المشاركات من رأس العين/ سيري كانيه واصفةً طريقة تحضيرها والبسمة على وجوههن تطرد أشباح وسنين الحرب تحت سقف مطبخ واحد جمعهن ووحد نساء الوطن.

“الهدف أكبر من الطبخ”

كما وكان لصحيفتنا لقاءٌ مع منظم هذه الفعالية مدير قسم البرامج في منظمة سند لبناء السلام مزكين محمود الذي أكد بأنّ: “الموضوع أكبر من الطبخ وتذوق الأطعمة وتقييمها وأنه ليس سباقاً ولا ميداناً للمنافسة؛ هو إثباتٌ للهوية؛ تمسكٌ بالتراث، إحياءٌ لعادات وتقاليد؛ محالٌ طمسها لا من قبل الاحتلال التركي ولا من قبل من يريد عبثاً وشراً بهذا الوطن”.

وأوضح المحمود بأن استهدافهم  للعنصر النسائي بفعاليتهم كونهن جسراً للتواصل والتعارف المجتمعي بينهنّ كمهجرات ونازحات وبين نساء البلد المضيف وذلك لخلق جو من الألفة والحميمية واستدعاء الذكريات والحكايات التراثية الجميلة التي ترافق هذه الأجواء بحسب منظم الفعالية مزكين محمود، مختتماً بأنّ هذه الفعالية ما هي إلّا بداية وخطوة أولية لمشاريع تعارفية توسعية لطموحات كبيرة، أهمها فتح سوق العمل أمام نساء لديهن من الطاقات الكثير وبحاجة للتشجيع والمساندة، متسائلاً ما الذي يمنع أن تكون امرأة صاحبة مطعم؟

مائدة برائحة الوطن

مدنٌ سوريةٌ مختلفةٌ اجتمعت على مائدةٍ واحدة لتداوي جروح قلوبٍ هُجرت من بيوتها لعلّ مساندتهن لبعضهن البعض ما هي إلّا رسالةٌ لكلِّ من يحاول زرع الفتنة وتفريق الشمل والخراب، ليثبتن للعالم بأنّ السوريين يعيشون بأخوةٍ وسلام ويأكلون من صحنٍ واحد ويقتسمون رغيف الخبز سوياً؛ فحريٌّ بالمحتل أن يرحل ويتركنا وشأننا فحتى تراثنا ورائحة طعامنا تنكر وجودهم.