نابادا (تل بيدر)

رستم عبدو-

 كان القسم الأعلى من بلاد الرافدين Mesopotamia خلال الألف الثالث ق.م يختلف عن جنوبها، من جوانب عدة منها البيئة واللغة والثقافة، وبحسب المؤرخين ليس هناك أي مصطلح حتى الآن يصف عرقياً أو ثقافياً سكان أعالي الرافدين، بمعنى أنهم ليسوا ساميين ولا سومريين، لذا اصطلح بعض الباحثين وعلى رأسهم مارك لوبو  Marc Lebeauإطلاق صفة “الجزيريين” عليهم.

خلال هذه الفترة، كانت مدن شمال بلاد الرافدين وتحديداً المدن الواقعة ضمن مناطق حوض الخابور العلوي Khabur Basin Upper في اتصال مباشر مع كلٍّ من مدن سومر ومناطق وادي ديالا، فكانت بمثابة الجسر الذي يربط معظم مناطق وادي الفرات ودجلة مع المدن الواقعة في الغرب من سوريا والتي كانت حينها تحت هيمنة مملكة إيبلا (تل مرديخ الواقع جنوب مدينة حلب) .

مناطق حوض الخابور العلوي وسهولها الغنية بالمصادر الحيوية كوجود شبكة كثيفة من الأودية والأنهار فيها، وتوزع المحميات الطبيعية في ربوعها، إلى جانب قربها من معبر ماردين التجاري وباقي مناطق جنوب شرق الأناضول الغنية بالمعادن؛ جعلها تلعب دوراً ريادياً في تطوير حركة التجارة، إذ كانت تنتقل عبرها العربات الخاصة بنقل المسافرين وكذلك عربات نقل البضائع والسلع، بالإضافة إلى العربات الحربية لنقل المقاتلين  والبعثات الدبلوماسية.

ظهرت في أعالي الرافدين – خلال تلك الفترة – ثقافتان مختلفتان متمايزتان، وهما ثقافة نينوى وثقافة الفخار المعدني، والأخيرة هي أول ثقافة مدنية بشكل خاص في بلاد الرافدين العليا، وظهرت بالتزامن مع بروز بعض المدن المركزية التي كانت تدير مدن متوسطة وصغيرة وشبكة من القرى والتجمعات السكنية.

لعل أهم هذه المراكز هي تل بيدر وتل خويرة اللتان كانتا تتخذان شكلاً إكليلياً أو تاجياً.

بالنسبة لتل بيدر أو ما يعرف تاريخياً باسم نابادا يبعد عن مدينة الحسكة حوالي 35 كم شمالاً، تحديداً في القسم الغربي من مثلث الخابور في أعالي بلاد الرافدين على طول وادي العويج.

تكمن أهميته في موقعه الاستراتيجي وتمركزه على طريق الشرق التجاري القديم، ودوره الرئيس كمحطة استقبال للقوافل والبعثات المسافرة بين الأناضول وسومر من جهة وبين مصر وشمال بلاد الرافدين من جهة أخرى.

يتكون الموقع من تل دائري الشكل، يغطي مساحة تقدر بـ 25 هكتاراً، ويرتفع عن السهل المحيط به 28م، إلى جانب المدينة العليا هناك المدينة المنخفضة التي تمتد على مساحة تقدر بـ 50 هكتاراً.

بدأ التنقيب في التل منذ عام 1991 من قبل بعثة التنقيبات الأوروبية المشتركة بإدارة الباحث البلجيكي مارك لوبو، وضمت أعضاء من جامعتي بروكسل ولوفان البلجيكيتين وجامعة ليل الفرنسية قبل أن تعمل ضمن إطار المركز الأوربي لدراسات ميزوبوتاميا ECUMS وتضم أعضاء من عدة جامعات أوروبية (بلجيكية- فرنسية- ألمانية- إسبانية- إيطالية- هولندية) ثم تحولت إلى سورية – أوروبية مشتركة في عام 1994.

توصلت البعثة خلال مواسم التنقيب إلى نتائج مهمة كشفت عن اسم المدينة القديم ودورها التاريخي في مناطق حوض الخابور وشمال بلاد الرافدين لا سيما خلال الألف الثالث ق.م.