مقاييس نخبويّة

مصطفى بالي_

(النخبة) ببساطة هي طبقة، طبقة مثلها مثل البرجوازية، العمال والفلاحين، الموظفين، أو لِنَقُلْ هي شريحة، شريحة مثلها مثل الحلاقين، بائعي الفول والبليلة على أرصفة المدن المكتظة، وإن شئت الدقة فهم قد يكونون مثل بائعي الخردة على هوامش المدن الصناعية، أولئك الذين لا رأسمال لديهم لافتتاح متاجر حقيقية، لكن،- ولنضع عشرات الخطوط تحت (لكن هذه)، الفارق بين (النخبة) وبين الشرائح والطبقات المذكورة أعلاه، فارق بسيط لكنه جوهري، مُلخصه أن كل هذه الطبقات والشرائح لها دور وظيفي في سياق البنى الاجتماعية والتاريخية، بعكس النُخب العاطلة عن العمل والعقل تلك التي تجتر بعض فتات ما تعتقده علماً ومعرفة وتتخيل أنها تفتعل الضجيج في الوقت الذي لا يعدو صوتهم أكثر من طنين. عزيزنا (النخبوي)،  العطّال البطّال إلا من صفحته الفيسبوكية، الناصح دائماً للإدارة (الشمولية المتخلّفة الجاهلة التي لا تعرف ولا تفهم في أمور الحكم والسياسة) يتحفنا بين الحين والآخر بجهبذته السياسة، الاقتصادية، الأدبية، وبعلومه الشاملة التي يستقيها غالباً من بعض المواقع التي تنشر المأثورات، مثلها مثل محلات السوبر ماركت التي تعرض المُعلبات على رفوفها لاستدراج الجائعين الكسالى، وكأنه أرخميدس إذ اكتشف الرافعة، مرفقاً ذلك كالعادة بالتذمر وقد يعقبها بجملة (اللهم هل بلغت)، لا يعلم المسكين البائس أن الإدارة لا وقت لديها أساساً لمتابعة منشوره البائس الناصح، ذلك أن نصيحته تشبه أساساً نصيحة شخص سقط من على ظهر حمار فانكسرت رجله لرائد فضاء بالتدرب على التوازن في طبقة انعدام الوزن.

هذا النخبوي الذي اختار المهجر الاختياري ميداناً لعيشه – ولكل الحق في اختيار بلاد العيش – واختار الفيسبوك ساحة لنشر (عبقريته الشاملة)، ومع كأس من البيرة الباردة، أو رشفة من الفودكا، يضع المقاييس والموازين التي يجب على الجميع اتباعها، وإلا فإن البلاد والعباد مصيرهم جهنم وبئس المصير، لأن إدارتهم لم تستمع لنصائح عبقرينو التي نشرها على صفحته.

لا يعلم صاحبنا، وهو يتناول قضايانا بكل هذا التسطيح الغبي المترهل، التي استقاها من بطون مناهجه، وإن شئت بعض كتب التدجين التي استطلعها، بأنه لا مناهج في بلادنا ولا وقت لدينا بالضبط مثلما أنه لا وقت لديك لتصرف بعض الجهد لهذه القضية، دون أن يكون لديك شروط مسبقة، في هذه البلاد المصابة بوعكة الحرية لا شيء فيها يخضع للمقاييس المدرسية وما لقنوك إياه بالملعقة.

هنا، في ظل هذه الإدارة (التي تنصحها ولا تنتصح)، الإيمان فقط هو الذي يُحدث المعجزة وليس قانون نيوتن، فأرواح رفاقنا وقادتنا ترتقي ولا تسقط كتفاحته، وهنا العمل وفقط العمل هو الذي يحدث الفارق، لا نسبية آينشتاين، بل الحسم، وهنا الإيمان ذاته هو الذي يولد التيار ويضمن استمراريته وليس مصابيح أديسون، باختصار، هناك لا تصلح مقاييسك، فالحفاة العراة ألحقوا الهزيمة بالإمبراطوريات ذات يوم في ديان بيان فو، وهؤلاء أيضاً تجاهلوا نخبهم البائسة حينذاك.

المختصر المفيد، وبعيداً عن التذاكي البليد للنخبوي، هذه الإدارة، هي من إفرازات فكر القائد والمفكر عبد الله أوجلان، الذي تنتمي إلى أفكاره كل حركة حرية كردستان في كل أجزائها وفي الشتات، ولذلك بالضبط فإن هذه الحركة تتعرض لأشرس الهجمات منذ لحظة تأسيسها وحتى يقضي الله أمراً كان مقضياً، وهذه الحركة عبر كل مسيرتها منذ لحظة التأسيس وحتى ساعته، لم تفعل إلا ما آمنت به، ودفعت ثمن أفكارها ومواقفها وبدعم من حاضنتها الجماهيرية دائماً وأبداً، وتحمّلت مسؤولياتها على الدوام وستستمر على هذا، لن يثنيها شيء مهما كانت الضغوطات.

وهذه الإدارة، أو هذه الحركة عموماً، والتي تناطح أشرس نظام حكم إجرامي في التاريخ وبدعمٍ مباشر من أشرس حلف عسكري، عرفت على الدوام كيف تدير معركتها في كل الميادين، وبالتأكيد لن تنظر إلى منشورك على الفيسبوك لتعرف إن كان من حق أبناء روج آفا أن يحملوا صورة قائدهم أولاً، وهي تعرف بالتأكيد كيف تمسك بمحور الاستدارات في هذا المشهد السياسي المُعقد والفوضى العارمة في أروقة النظام العالمي.