مقاومة من نوع آخر

استيرك كلو_

بعدما أبدى الشعب الكردي إرادته الحرة في مرحلة انتخابات البلدية في كردستان، أصبحت نقطة البداية لنهاية ديكتاتورية نظام الحزب الواحد في تركيا بزعامة أردوغان، وكما ذكرت بعض الوسائل الإعلامية بأن النتائج الانتخابية كانت هزة بنيوية لعرش العدالة والتنمية الفاشي. إرادة الشعب الكردي وخاصةً في مدينة وان وموقفه تجاه نظام الغصب والوكلاء، كانت من أكثرها تأثيراً في نيل الحقوق المشروعة، ليلقي بذلك درساً في كيفية خلق الإرادة الحرة رغم جميع أشكال الضغط والعنف لكتم صوته وحرق صناديق اقتراعه في العديد من المدن الكردستانية. انتفض مئات الآلاف وفي مقدمتهم النساء في وان الكردستانية لرفض قرار الوكلاء بحق الرئاسة المشتركة لبلديتهم، رغم همجية الجندرمة والبوليس ومهاجمتهم وزجهم في السجون. في الحقيقة استطاع الشعب الكردي بموقفه المُشرف هذا أن ينتصر بالحق على الباطل. حاولت حكومة العدالة والتنمية إعادة الكرة في تنصيب الوكلاء، ولكن لم تنجح ولم تفلت من إذاقة طعم الهزيمة وبخسائر أكبر هذه المرة، حيث فقدت الدولة التركية ثقلها السياسي والاقتصادي والدبلوماسي نسبةً إلى ما قبل الانتخابات والتي كانت تسير وفق استراتيجية الحرب والقضاء على الحركة الكردية بعدما أعلنت عن وجوب تنفيذها في كل مناسبة وفي كل زيارة سواء للغرب أو لدول الإقليمية كالعراق وسوريا وإيران أيضاً.

من أكثر الصور التي لاقت صدىً إعلامياً وهزت مشاعر الملايين كانت صورة محمد أورهان، صورة الشاب الكردي المبتسم الذي اعتقله البوليس التركي لدى مسيرته الاحتجاجية مع أبناء وبنات شعبه في مدينة وان الكردستانية. في الحقيقة ابتسامة محمد أورهان وسلامه بيده رغم وجود جسده الفتي بين يدي بوليسيين تركيين، حملت بين طياتها تعابير نادرة توجد في لوحات الرسامين وفي كتب الأدباء والشعراء. ابتسامته كانت ابتسامة انتصار الإرادة الحرة على الفاشية، كانت ابتسامة السخرية من اللاعدالة، ابتسامة القائد المنتصر في معركة الحياة أو الموت، ابتسامة أبهجت قلوب الملايين أملاً وإيماناً بالنصر، ابتسامة ممزوجة بالمقاومة والنصر. هذه الصورة هي حقيقة شعب مقاوم لم ينحني أمام سياط الفاشية، حقيقة شعب كبر بثقافة المقاومة لإحياء وجوده والاعتراف بهويته كشعب حر. جمعت هذه الابتسامة كل ما هو رائع في تاريخ وطن الشمس كردستان، جمعت بين الشموخ في قمم جبالها، والتواضع في وديانها، والبياض في ثلوجها والعطر في ورودها والعطاء في ترابها، لتكون اسماً لمسيرة شعب يُطالب بحريته. هذه هي الصورة التي تعبّر عن حقيقة شعب تواق للحرية كباقي الشعوب المظلومة وليكون قدوة في كفاحه لجميع شعوب المنطقة.

انتصرت إرادة الشعب الكردي بعد فوزه في أغلب المدن الكردستانية وأصبح هذا الفوز محطة هامة في مراجعة تركيا بزعامة العدالة والتنمية لحساباتها، وليست تركيا فحسب بل جميع القوى التي تحاول تركيا جرها إلى حربها التوسعية على حساب شعوب المنطقة وليس الشعب الكردي فحسب. فهل ستتمكن تركيا من جر العراق أكثر إلى هذه الحرب، وهل ستتنازل إيران من سيادة قوتها في العراق وسوريا لصالح تركيا، هذه الأسئلة هامة للغاية وخاصةً بعد فقدان أردوغان قاعدته إلى هذا الحد من التدني، ومعاناته الخلل في التوازن الاقتصادي، حيث كلفته هذه المرحلة الكثير عدة وعتاداً، سيتوضح ذلك في المرحلة المقبلة.