مشروع زراعي بجهود شعبية في ظروف النزوح يُبرز روح الاقتصاد الاجتماعي

تقرير/ صلاح إيبو –

روناهي/ الشهباء ـ يساهم المشتل الزراعي الذي أسسه عدد من أبناء عفرين المُهجرين في الشهباء بتأمين فرص عمل دائمة وموسمية لمئات العائلات المُهجرة، وتوسع هذا المشروع لاستثمار بعض الأراضي الزراعية التي بقيت بدون زراعة لسنوات في الشهباء. واليوم؛ يمد هذا المشروع السوق المحلية ولجان الإغاثة بكميات كبيرة من الخضار والشتول ويمد العديد من العائلات بمدخول مادي بسيط يساهم في بقائهم على قيد الحياة لحين العودة إلى عفرين.

وانطلق المشروع منذ عام ونصف تقريباً، بمبادرة عدد من المزارعين لإعادة إحياء الأراضي الزراعية التي كانت شبه قاحلة ولا يزرع فيها إلا الحبوب، رغم توفر المياه الجوفية في مساحات جيدة بالشهباء، واستفاد هؤلاء المزارعون من القروض المالية التي قدمتها الإدارة الذاتية لمُهجري عفرين؛ بهدف مساعدتهم على تأمين فرص العمل وسد حاجياتهم الأساسية.

وبدأ المشروع بزراعة الحبوب وعلى رأسها القمح والشعير العام المنصرم، وكانت نسبة الأرباح جيدة مقارنة مع المبلغ والجهد المستثمر من قبل المزارعين. وفي الموسم الخريفي؛ توجه عدد منهم لزراعة بعض أنواع الخضار كالبطاط والكوسا الخريفية ومحاصيل الخضر الشتوية، مستفيدين من أرباح زراعة الحبوب، والتي كانت بسيطة نتيجة توزيع الأرباح على العاملين في المشروع والمزارعين على السواء.

ومنذ مطلع العام الحالي؛ تم تأسيس مشتل زراعي للأشجار المثمرة والحراجية، ومن ضمنها الزيتون، اعتماداً على خبرة المزارعين وقدرتهم على توفير بعض المصاريف الإضافية بتقنيات بدائية توفر مصدر الطاقة والمصاريف، ويضم المشتل حالياً أصناف عدة من الأشجار الحراجية كالسرو والعفص الشرقي والشمسية، وتتراوح أعداد هذه الشتول الـ25 ألف شتلة، إضافة لشتول بعض الخضار كالباذنجان والفليفلة والبندورة، لاستخدمها في زراعة الأراضي الزراعية في هذا الموسم.

 إنتاج مليون شتلة زيتون بأقل التكاليف

وما يميز هذا المشتل مشاركة النساء في العمل والإدارة، وهنا تُشير مريم محمد إحدى العاملات في المشتل والمساهمة في إدارته، إلى أن جهود العاملين ساهم في تأسيس هذا المشتل وتنميته، واليوم تم تأسيس هنكار خاص لإنتاج شتول الزيتون بصنفيه الخلخالي والزيتي (صنف منتشر بكثرة في عفرين).

وتم تجهيز الهنكار وفق أساس علمية. ولكن؛ حاول المزارعون توفير التكاليف اعتماداً على خبراتهم السابقة التي اكتسبوها في عفرين، إذ تم الاستغناء عن التدفئة بواسطة المياه الساخنة للتربة، بطبقات من روث الحيوانات غير المخمرة وبهذا تم توفير الوقود والجهد المستلزم لتدفئة تربة الإنبات، ويضم الهنكار حالياً قرابة مليون شتلة وفق إحصاءات القائمون عليه، ويرجح المزارع المشرف على الهنكار نسبة نجاح الشتول بـ80%، أي قرابة 800 ألف شتلة زيتون تكون مهيأة لنقلها على أكياس الزراعة كمرحلة ثانية وتقسيتها لتكون جاهزة للزراعة في العام المقبل.

ويركز المزارعون المشاركون في هذا المشروع على زيادة المساحات المزروعة اليوم، إذ يتنوع محاصيلهم هذا العام بين الحبوب كالقمح والشعير والكزبرة والحبة السوداء، ومحاصيل الخضر كالبصل والثوم والبطاطا، وتم تهيئة مساحات أخرى للزراعة الصيفة كالخيار والبندورة والكوسا وسيتم البدء بزراعته خلال الأيام المقبلة.

 بالرغم من التكاليف الباهظة… إلا انه أمن فرص عمل جيدة

وبالرغم من الجوانب المشرقة والداعية للتفاؤل في مثل هذا المشروع الذي اعتمد على تعاون جماعي للشعب المضطهد وعاد للحياة وأسس بيئة مقبولة للعيش لحين العودة إلى أرضه، إلا أن مصاعب جمة تقابلهم أيضاً، وتتلخص هذه المصاعب في ارتفاع أسعار البذور والمبيدات والمستلزمات الزراعية وكالأسمدة وغير ذلك، ويحاول القائمون على المشروع الموازنة بين المصاريف واليد العاملة ويستخدمون العمالة الموسمية التي يستفيد منها قرابة 150 عائلة، إضافة لـ 250 عائلة تعمل على مدار العام في هذا المشروع الذي يستثمر مساحات جيدة من الأراضي الزراعية بعضها كانت متروكة دون زراعة وأخرى يتم استئجارها من أصحابها المتواجدين في الشهباء.

 الإدارة ساهمت في استمرار المشروع وتقدمه

ولا تقتصر المصاعب في تكاليف الإنتاج فقط، بل تتعدها إلى تدني أسعار المحاصيل المنتجة في موسمها، وهنا تقول مريم أنهم في بعض الأحيان كانوا يواجهون الخسارة؛ نتيجة تضارب الأسعار بالرغم من أن أسعار المنتجات الزراعية، وأضافت: “هنا تكن أغلى من مدينة حلب نتيجة صعوبة دخولها وبعض الضرائب التي تدفع على الطرقات، إلا أننا واجهنا مشكلة عدم التوافق بين تكاليف الإنتاج والمردود، وهنا مدت الإدارة الذاتية واللجنة المسؤولة عن الإغاثة المقدمة لمُهجري عفرين يد العون لهؤلاء المزارعين، بشراء منتجاتهم الزراعة بأسعار تكفل ضمان تكاليف الإنتاج ونسبة ربح معقولة، وبدورها تعمل اللجنة على توزيع الإنتاج الزراعي على الشعب مجاناً في كافة مناطق الشهباء وعفرين والمخيمات، وهنا يتم الاستفادة من هذا المشروع بطرق مختلفة والأكثر أهمية أنه يضمن فرص عمل لعدد جيد من العائلات، ويُشجع مزارعين آخرين على الاقتداء بمثل هذه التجربة التي ربما هي الأولى على مستوى شمال وشرق سوريا وسوريا”.

 تجربة تدغدغ جوهر فكرة الأمة الديمقراطية… فهل يقتدى بها في باقي المناطق؟

بالنظرة التقليدية لهذا المشروع، نجد أنه مشروع اقتصادي يؤمن دخلاً مقبولاً لأفراد وعائلات في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي يعيشها المواطن السوري عامة. لكن؛ بالتغلغل في تفاصيل وكيفية بدأ المشروع وكيف يساهم مثل هذه المشاريع في تنمية العلاقات الاجتماعية ومفهوم الاقتصاد الاجتماعي الذي يبتعد عن الاستغلال والاحتكار ويتجه نحو العمل الجماعي المستند على المنفعة العامة وتوزيع الأرباح على العاملين والقائمين بالمشروع معاً، وكل هذا في ظل ظروف اجتماعية استثنائية كالتي يعيشها أهالي عفرين المُهجرون، نلاحظ أن هذا المشروع يلامس روح وجوهر الرؤية الاقتصادية لمشروع الامة الديمقراطية، الذي ربما لم ينفذ في باقي المناطق من شمال وشرق سوريا بعد وإن تم تنفيذه عانى مشاكل جمة في الإدارة وكيفية تسويق الفكرة اجتماعياً واقتصادياً. وبالرغم من التجارب السابقة في هذا المجال بعفرين، إلا ان هذا المشروع بالمقارنة مع تلك التي نفذت في عفرين سابقاً هو الأكثر نجاحاً لبعده عن البيروقراطية والروتين الإداري؛ وكون العاملين فيه هم منْ يديرونه والمميز هنا أنه لا يعتمد كثيراً على الخبرات الأكاديمية، بل يعتمد على خبرة المزارعين ذوي التجربة!!.