سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

مرتزقة تحت الطلب.. النيجر حرب أخرى يخوضها سوريون

ياسر خلف_

حرب أخرى يخوضها سوريون في بلاد تبعد آلاف الأميال عن وطنهم الذي يئِنُ تحت وطأة الاحتلال والاستغلال والإرهاب الممول، فما الذي يجعل من هذه المجاميع المسلحة المرتبطة بتركيا مرتزقة تحت الطلب يزج بهم في أتون حروب لا ناقة لهم فيها ولا جمل؟
قد يكون من المفيد بدايةً معرفة مفهوم الارتزاق لغة واصطلاحاً، وخاصةً فيما يتعلق بالنزاعات المسلحة، حيث يدل على كل عنصر التحق بالقتال إلى جانب أحد أطراف النزاع ولا تربط بينهما أي صلة سواء كانت وطنية او قومية أو عرقية فهو يتخذ من القتال مهنة لجني المال وقد يكون تجنيده إجبارياً أو طواعية.
فيعمل المرتزق في النزاعات المسلحة الدولية لصالح أحد أطراف النزاع المتحاربة وهو ليس من رعاياها أو يقوم بذلك لدعم طرف محارب بناء على أجندات طرف ثالث وكل ذلك يحدث من أجل الاحتلال أو الاستغلال أو المصالح، بالإضافة إلى ذلك فهي (المرتزقة) تستخدم من أجل إخماد حركات التحرر الوطنية التي تسعى إلى تقرير مصيرها، لذلك فهي تعتبر مخالفة حتى لمبادئ القانون الدولي والإنساني القائم على إدانة العنصرية والإرهاب.
لم يعد خافياً على أحد وخاصةً بعد أن أصبحت صفة الارتزاق مرادفاً للمجاميع الإرهابية المرتبطة بتركيا ابتداءً من داعش والنصرة ومروراً بما يسمى “الجيش الوطني” وفصائله المسلحة بمختلف تسمياتها، فأردوغان عمل على استغلالهم وخاصة في ما يتعلق بقضايا المهجرين واللاجئين حيث كانت نوايا الدولة التركية واضحة منذ بداية الأزمة السورية لاستخدامهم كورقة ابتزاز وانتقام وتهديد لتحقيق أطماعها التوسعية المستندة على التركة العثمانية البائدة ليستغل بذلك مأساة السوريين وتحويلهم إلى مرتزقة تحت الطلب وذلك في أبشع صورة عرفها التاريخ الحديث من تشويه للسوريين وتحويلهم إلى مأجورين وقتلة وإرهابيين منبوذين ومجردين من القيم الإنسانية.
هذه الصفات التي كانت ولاتزال من خصائص العثمانية المندثرة. فأردوغان لم يأتِ بجديد إنما يستند إلى ميراث دموي من الحقد والكراهية والعنصرية والإرهاب والتطرف الديني القومي واستلهامهم من إرث الإنكشارية العثمانية للقيام بإبادة الشعوب الأصيلة في نطاقه الإقليمي وخارجها كما حدث سابقاً للأرمن والسريان والكرد والعرب ولاحقاً في كل من ليبيا وأرتساخ.
وما يحدث الآن في كل من عفرين وسري كانيه وكري سبي من احتلال وتهجير وتغيير ديموغرافي لإلحاقها بتركيا تماماً مثلما حدث بلواء الإسكندرون الذي تم احتلاله وضمه إلى تركيا.
على ما يبدو أن الأمر لا يختلف كثيراً لما يحدث من قيام تركيا بتجنيد وإرسال المرتزقة إلى القارة السمراء، حيث تفيد التقارير الواردة بوصول الدفعة الثالثة من المرتزقة السوريين إلى النيجر. يتم نقلهم إلى مطار غازي عنتاب وإرسالهم إلى إستنبول لنقلهم إلى النيجر حيث بدأت المجاميع المرتزقة في غرب الفرات بإغراء العناصر وبعض المتطوعين في العمل مع الجيش التركي حيث تشارك هذه العناصر في عمليات الحراسة والمعارك لتحقيق المصالح التركية، وحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان: هناك أنباء عن مقتل نحو 50 مرتزقاً سورياً في النيجر، وأن جثث أربعة منهم أُرسِلت إلى بلادهم.
من الواضح أن النيجر ستواجه مجموعة من التحديات الأمنية والجيوسياسية على المدى المنظور والبعيد، فزمن الحرب والإرهاب المنظم الذي تمارسه الدول كتركيا وروسيا وإرسالها للمرتزقة والمأجورين من سوريا باتجاه النيجر هو زمن تختفي فيه جميع المبادئ والقيم والمعاني الإنسانية في ساحات الفوضى الممنهجة ولا تُسحق فيها سوى الشعوب المغلوبة على أمرها، ولا تستفيد منه سوى الأنظمة الديكتاتورية التي تلبس القناع فوق القناع لإخفاء وجه الإجرام الحقيقي الذي تمارسه تلك الدول.
وعلى ما يبدو أن تركيا قد وجدت بوابة أخرى لتهديد السلم والأمن العالمي واللعب على متناقضات السياسة الدولية، فمع انتشار عناصر “داعش” الإرهابي، وجماعة نصرة الإسلام والمسلمين التابعة لتنظيم القاعدة الإرهابي في مناطق متفرقة من النيجر إضافةً إلى مجاميع الإسناد الإرهابية التي ترسلها حكومة أردوغان إلى هناك لخلق مزيد من الفوضى والاستثمار فيها كما حدث في دول أخرى كليبيا وقرباخ وغيرها من الدول التي تدخلت فيها تركيا لتحولها إلى إمارات وولايات داعشية إرهابية تمتثل لأوامر مرشدهم الأعلى أردوغان وأيدولوجيات الإخوان المسلمين التي استنسخت منها كافة جماعات الإرهاب المعروفة كالقاعدة وداعش والنصرة ومثيلاتها هي في حقيقة الأمر ناقوس خطر كبير يهدد القارة السمراء بأجمعها والتي تشهد انقلابات واضطرابات ونزاعات عسكرية وسياسية في عدد من بلدانها والتي تعتبر ميداناً خصباً لجماعات الإرهاب المنظم الممول والمرتبط بأجندات دولية كتركيا والتي بدأت في استغلالها لخدمة مصالحها ومخططاتها الإجرامية.
يمكن القول في نهاية المطاف إن الدولة التركية عبر سلطانها أردوغان الذي يستغل الإسلام والعصبية القومية لإعادة إحياء أمجاد العثمانية البائدة على حساب دماء السوريين المغرر بهم وتحويلهم لجيش إنكشاري من المرتزقة واللقطاء وقطاع الطرق مستغلاً عوزهم وحاجتهم لخدمة مآربه التوسعية وتحقيق مصالحه الشخصية بعيداً عن سلطة الدولة أو موازية لها، وفي نهاية المطاف سيتم التخلص منهم جميعاً بمجرد تحقيق مرامي وأهداف المُشغل والمستثمر وانتفاء المصلحة منهم.
والسياسة التركية حافلة بهكذا تراجيديا عبر التخلص من أعدائها وأصدقائها على حد سواء، كيف لا وهي تستند إلى إرث بغيض يقتل الابن أباه، والأخ أخاه، حتى وإن كان رضيعاً من أجل السلطة واستلام الخلافة، فيندر في التاريخ أن سلطاناً عثمانياً مات طبيعياً إلا عبر قتل واغتيال على أيدي أفراد العائلة الحاكمة نفسها.
وكما قال أحد الشعراء المعاصرين للاحتلال العثماني “نجيب حداد” مختصراً مذابح العثمانيين بحق العرب بالقول: “لعبت أكفّ التركِ فيكِ وغادروا، في كل قطر منكِ نهراً من دم”.
فهل يتعظ المرتزقة السوريون ومن معهم من المغفلين ويعودون إلى رشدهم قبل فوات الأوان؟