سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

النقل الشرقي والعقل الرأسمالي عند القائد عبد الله أوجلان

د. علي أبو الخير_

لا نقصد من العنوان أي إشارة دينية؛ لأننا نعلم بوجود صراع دائم عند رجال الأديان بين أصحاب النقل وأصحاب العقل، بين أهل الدراية وأهل الرواية، بين المحافظين والثوّار، أو باختصار بين اليمين واليسار، فنحن في هذا المقال بعيدين عن صراع العقل والنقل بمنظور ديني، ولكن نقصد الصراع بين النقل والعقل من منظور شرقي/غربي، بين الشرق الذي يعتمد على الرواية الشفهية، والعقل عند الغرب الأوروبي، العقل الذي يرون أنه لا يمكن الوفاق بين الشرق والغرب، بين أهل النقل غير المتطور في الشرق، والعقل المتقدم الواعي عند الغرب الأوروبي، ونتذكر المقولة المهمة: “الشرق شرق والغرب غرب ولن يلتقيا” والتي قالها الشاعر الإنجليزي “روديارد كبلنج” في نهاية القرن التاسع عشر، وهي جملة مهمة، لا تموت، تكشفها الأحداث التي تقع كل يوم، فالغرب يستغل وينهب ويتقدّم ثم يتعالى على الشرق الذي يقوم باستعماره.
لقد وضّح العلماء والمفكرون والفلاسفة دوماً على أن التاريخ هو امتداد للحاضر، حين نتمعّن قراءته وفق الحقائق والقراءة النقدية والتحليلية، وإذا ما نظرنا للتاريخ الذي ليس ببعيد، ونقارن بين أنظمة حكم ترأست دول كبيرة وباستبدادهم تحولت دولهم إلى مقاطعات صغيرة نرى بشكلٍ واضح لا لبس فيه، فالحضارة تنتقل من شرق إلى غرب، ومن غرب إلى شرق، والتطور الحضاري اليوم لا يخدم البشرية كما يجب أن يكون الأمر، ولكن حدث ويحدث العكس، وهو ما فهمه القائد عبد الله أوجلان في نظرته، وهو ما نكتب عنه.
الغرب العقلي في رؤية عبد الله أوجلان
فهم القائد عبد الله أوجلان الفرق بين الغرب والشرق، أو بين النقل والعقل في المفهوم الإنساني، ورأى أن الغرب المتقدم ما هو إلا صورة من صور الفساد البشري، ورأى أن الغرب المتقدم اندمج في الرأسمالية، والدولة الرأسمالية كما كتبها القائد أوجلان في مؤلفاته المتعددة، خاصةً الكتب عن الديمقراطية والأمة ومانفيستو الحضارة، وفي مقاله (الدولة الرأسمالية والمجتمع الرأسمالي … أزمة الحضارة) المنشور في موقع الحوار المتدن – العدد: 1078 – 2005 ، يقول: “لا داعي أبداً للحديث عن اقتصاد الرأسمالية .. إنه بالأساس النظام الذي يضع كل شيء نصب عينيه ويقوم به من أجل الربح والمنفعة، وهو الاستغلالي الأكبر، والمبارِز الوحشي الأعظم، ما من ظاهرة في المجتمع ولم يتم تبضيعها وتحويلها إلى سلعة، فالمجتمع المتبضّع هو المجتمع المراد إنهاء شأنه، ومجتمع كهذا، إنما يعني النظام الذي أكمل عمره، وبالتالي يستوجب إنهاءه. وفي سبيل مواصلة حالته الفانية بقوة العلم والفن المتطورة بشكل مذهل، إنه يذكرنا بالعناية المشددة التي يُلجَأ إليها بوساطة كل الوسائل العلمية والتقنية، بغرض معالجة مريض أصبح على شفا حفرة من الموت، حيث يلعب الفن والعلم دوراً مصيرياً لا استغناء عنه، أي في فترات الأزمات الخانقة، للتمكن من إعادة البناء ثانية وتكوين أنظمة جديدة يمكن إحياؤها والعيش فيها… وتأتي مكانة الرأسمالية ومنزلتها في التاريخ من كونها آخر النظم التسلطية المتحكمة، وإن انتفاع هذا النظام المليء بالثغرات والمسامات المفتوحة منذ عهد المجتمع الهرمي، من أجواء الحرية الناجمة عن النهضة ليحتل بذلك منزلة الصدارة؛ إنما يؤدي في الوقت نفسه عن كشف النقاب عن كل طاقاته الكامنة وتفجيرها…… إلخ”.
هنا تتبدى لنا الصورة الأوجلانية حول النظام العالمي الذي يقوده الغرب بغرور المستعمر الإمبريالي، وبين الشرق الذي يعيش في فتات الغرب الناهب للثروات والمغرور بالحروب ونشر الفتن في أجواء العالم، فلا يكون للشرق وجود في الصين أو روسيا، أو في أمريكا الجنوبية رغم قربها من مركز الرأسمالية الأمريكية،  ولكن الأهم هو تفريغ الشرق من مفكريه وعلمائه، حتى لا يصحو العقل الشفهي الشرقي.
ورغم النقد الهائل للنظام الغربي الاستعماري لم ينسَ أن ينقد أيضاً الفكر الماركسي وهو ما كتبنا عنه وكتب عنه غيرنا، وخلاصة القول إن استقلاليه الفكر عند القائد أوجلان، هي التي جعلته يتبنى فكرة جديدة وهي فكرة الأمة الديمقراطية… وهو ما رآه القائد عبد الله أوجلان وكتبه في كتبه ومقالاته، فالشرق عنده يملك الروح، وعنده قليل من العقل، والغرب يملك العقل بدون أدنى روح، فيتسبب ويشعل الحروب وينشر الأوبئة ويساند المستبدين في الشرق، ولذلك؛ فإن الحل عند القائد عبد الله أوجلان هو فيما سماه (الأمة الديمقراطية) والتي فهمناها على أنها تقارب الروح الشرقية مع العقلية الأوروبية، لتكون أمة إنسانية واحدة، التي تشمل بني الإنسان، وعلى الأقل نشر مفهوم الأمة الديمقراطية في منطقتنا منطقة الشرق الأوسط، وهو المفهوم الفكري العقل/ النقلي، عند المفكر عبد الله أوجلان، التي تقضي أيضاً على مقولة “الشرق شرق والغرب غرب ولن يلتقيا”؛ لأن الأرض تسع الجميع ليعيشوا بسلام كما رأى القائد عبد الله أوجلان..