سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

قضية كوباني… الأحكام الجائرة وردود الأفعال

إعداد/ رفيق ابراهيم_

ترجمة/ باقي حمزة
في السادس عشر من أيار 2024، أصدرت المحكمة الجنائية العليا الثانية والعشرون في أنقرة، عقوبات مشددة على العشرات من السياسيين، والبرلمانيين الكرد، في الدعوى، التي عُرفت باسم “قضية كوباني”، أبرزها الحكم بالسجن مدة 42 عاماً على صلاح الدين ديميرتاش، ومدة 30 عاماً على فيغين يوكسكداغ، الرئيسين المشتركين السابقين لحزب الشعوب الديمقراطي.
حظيت الدعوى باهتمام واسع النطاق قبل جلسة إصدار الأحكام، والتي تأجلت مرّات عدّة لحسابات سياسية داخلية وخارجية، وأحدثت قراراتها صدمة على المستويات كافة في تركيا والمنطقة والعالم، خاصة أن القضية تحتمل إسقاطات متعددة بقصد تغيّر المناخ السياسي ومؤشرات حل الأزمة الاقتصادية، إلى جانب العامل الأهم والمتمثّل بارتباطها بحل القضية الكردية في البلاد، ما رفع مستويات اليأس، وفي استشراف المستقبل، الذي بدا أكثر قتامة في ظل تصاعد الأزمات الاقتصادية، والصدامات السياسية المتراكمة في تركيا.
كان داعش قد شن هجوماً واسعاً على كوباني، والمنطقة المحيطة بها في أيلول 2014، ودفع الهجوم الإرهابي مئات الآلاف من الكرد، واليساريين الأتراك، إلى التوجّه إلى الساحات، وإقامة فعاليات لدعم كوباني في مدن عديدة بتركيا، كما عقد مسؤولو حزب الشعوب الديمقراطي، اجتماعات مختلفة مع السلطات التركية دعماً لكوباني، حيث كان أحد أهم مطالبهم فتح ممر إلى البلدة المحاصرة من الجهات السورية الثلاث عبر الأراضي التركية، لإيصال المساعدات العسكرية من مناطق في شمال وشرق سوريا، وحكومة إقليم كردستان.
وحول القضية فتحت السلطات التركية تحقيقاً، وتم إعداد لائحة اتّهامات بحق الرئيسين المشتركين لحزب الشعوب الديمقراطي ديميرتاش، وفيغين يوكسكداغ وبحق عشرة برلمانيين آخرين من الحزب، وفي 20 أيار 2016، تم رفع الحصانة البرلمانية عنهم بأغلبية الأصوات في البرلمان، حيث أيّدت الأحزاب المعارضة مقترح السلطة، وبرر رئيس حزب الشعب الجمهوري السابق كمال كليجدار أوغلو، موقفه من ذلك: “السلطة القضائية غير مستقلة، لكن لا نريد الاختباء وراء درع الحصانة البرلمانية، لائحة الاتهامات، التي تم وضعها نحن معها”، وفي السادس عشر من أيار عام 2024 أصدرت المحكمة أحكاماً قاسية بحق ديميرتاش ورفاقه.
الأحكام استهدفت قرارات المحكمة الأوروبية 
أثارت الأحكام الظالمة الصادرة بحق السياسيين الكرد في قضية كوباني، ردود فعل كثيرة في أوروبا، ففي ألمانيا، دعا أعضاء الحزب الديمقراطي الاشتراكي، وحزب الخضر الشريكان في الحكم، إلى تنفيذ قرارات المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، والإفراج عن الرئيسين المشتركين السابقين لحزب الشعوب الديمقراطي، صلاح الدين ديمرتاش، وفيغن يوكسكداغ.
 ووصف أحد نواب الحزب الاشتراكي الديمقراطي، فرانك شوابي، الذي يتزعمه المستشار الألماني أولاف شولتس، ورئيس الوفد البرلماني الألماني لدى المجلس الأوروبي، بأنه “حكم سخيف صدر تحت حجج واهية وباطلة”، ومن هنا يتعين على تركيا تنفيذ قرار المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان.
وكان رد فعل عضو حزب الخضر الألماني ورئيس المجموعة البرلمانية الألمانية التركية، ماكس لوكس، شديد اللهجة، وكان قد وصف الأحكام بأنها: “هجوم جديد يستهدف النظام الأوروبي لحقوق الإنسان، نحن نقف مع الديمقراطيين في تركيا، ونطالب بالإفراج الفوري عن صلاح الدين ديمرتاش، وفيغن يوكسداغ، وأردوغان يواصل تدمير الديمقراطية”.
 ومن جهته رد مقرر تركيا في البرلمان الأوروبي، ناتشو سانشيز، على الأحكام القاسية: “إن الظلم الذي تعرض له ديميرتاش غير مقبول، وستدفع تركيا ثمن أغلاطها، لدينا اليوم شك في عدالة الأحكام الصادرة ضد السياسيين الكرد، ولم يعد بإمكاننا الوثوق بتركيا شريكاً”.
كما أعرب، عضو التحالف التقدمي للاشتراكيين والديمقراطيين في البرلمان الأوروبي، تيس روتن، عن رأيه بأنه لا يوجد مبرر لأحكام السجن الطويلة، التي صدرت بحق السياسيين الكرد، وتركيا ستتحمل عواقب ما قامت به، وذكّر بقرار المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان بإطلاق سراح ديمرتاش، “أردوغان يرتكب أخطاء كبيرة في مسألة الديمقراطية وحقوق الإنسان”.
العقوبات مؤامرة جديدة على الكرد 
 وفي السياق، أدانت منظمات حقوقية في إسطنبول، العقوبات القاسية المفروضة على الساسة الكرد، ووصفتها بالمسيسة: “سياسيو حزب الشعوب الديمقراطي دافعوا عن الحياة المتساوية، والحرة طوال عملية المحاكمة، السياسيون، الذين اتهموا بالإرهاب كانوا يخوضون النضال من أجل السلام والديمقراطية في تركيا، العقوبات المفروضة مؤامرة جديدة على الشعب الكردي، والتي بدأتها حكومة حزب العدالة والتنمية، وحزب الحركة القومية، من أجل قمع المطالب المشروعة والديمقراطية للشعب الكردي”.
 وانتقد، رئيس بلدية إسطنبول الكبرى، أكرم إمام أوغلو، القرارات والأحكام، التي اُتخذت بحق السياسيين الكرد، مستذكراً الأحكام الصادرة بحق أحمد تورك، وصلاح الدين ديميرتاش: إن “إدانة هؤلاء الأشخاص لن يجلب للبلاد إلا مشاكل جديدة، وباعتقادي كان يجب التصرف وفق تطبيق العدالة، وليس تجاوزها”.
كما تحدثت الصحافة العالمية عن أحكام السجن لفترات طويلة بحق السياسيين الكرد، حيث قالت صحيفة دي فيلت الألمانية، في خبرها، الذي حمل عنوان “الحكم على السياسي الكردي ديمرتاش بالسجن لمدة 42 عاما”: إن “السياسي الكردي ديميرتاش معتقل منذ عام 2016، البالغ من العمر 51 عاما، وكان الرئيس المشترك لحزب الشعوب الديمقراطي المؤيد للكرد، وكان منافسًا لأردوغان لفترة طويلة، لذا تم إصدار الحكم القاسي عليه”.
وذكرت صحيفة دير شبيغل الألمانية: “كان يُنظر إلى ديميرتاش على أنه منافس سياسي لأردوغان، وقد واجه 47 تهمة وحُكم عليه بالسجن مدة 42 عامًا، وكانت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، قد حكمت سابقًا بتبرئته، وحضت على إطلاق سراحه، لكن تركيا لم تمتثل لهذا القرار”.
ووكالة أسوشيتد برس من جهتها كانت قد تناولت القضية: “المحكمة التركية أصدرت أحكاماً بالسجن تتراوح بين تسعة إلى اثنين وأربعين عاماً على العديد من السياسيين الكرد، وكانت القضية مرتبطة باحتجاجات هجوم داعش على كوباني، عام 2014، وعدَّتها قضية سياسية”.
سنناضل حتى تحقيق الديمقراطية والحرية
وحول القضية صرحت الرئيسة المشتركة السابقة لحزب الشعوب الديمقراطي، فيغن يوكسكداغ: “إن القرار الذي تم اتخاذه في قضية كوباني، ليس نهاية المطاف، بل بداية جديدة في نضالنا الديمقراطي المشروع في سبيل الحرية، خلال السنوات الثمانية، التي اُحتجزنا فيها كرهائن، دافعنا عن شرف وحرية وعدالة شعبنا ونسائنا وعمالنا، واحتضننا الضمير الاجتماعي، والقيم النبيلة للإنسانية العظيمة ضد داعش الإرهابية والمتواطئين معه”.
وتابعت: “لقد تعرضنا للتعذيب بموجب قرارات قضائية، وتعرضنا للقمع، من أولئك الذين لا يشاركوننا هذه القيم، العقوبات المشددة ستغلق الباب أمام فرص التعايش السلمي بين الشعبين التركي والكردي، وسنواصل مقاومة عمليات تصفية السياسيين، وسنسعى لإحباط كل تحرك يستهدف الحياة المشتركة، ومستقبل شعبنا، وسنتمسك بالوعي والقوة والثقة، بأننا لم نكن على خطأ، ونحن نؤمن بأن شعبنا سوف يحتضن هذه المبادئ، ويسير بإصرار على طريق الحرية، ونحن متأكدون بأن النصر سيكون حليفنا بالنهاية”.
ومن بين الردود، على أحكام السجن، كان رد رئيس حزب ديفا، علي باباجان: “أنا آسف نيابة عن بلدي وعن الشعب التركي، لأن القضية، التي صدرت فيها الأحكام القاسية على السياسيين الكرد، غير قانونية، لقد أظهرت الحكومة مرة أخرى أنها لا تهتم بالسلام الاجتماعي في بلادنا، ولا تبالي بما يترتب على هذه القرارات من مشاكل، من خلال التحكم بالسلطة القضائية”.
وشدد: إن “الحكومة، التي لا تستطيع محاكمة أولئك الذين ينقلون القتلة بمركبات حكومية، لا ترى أي ضرر في جعل حياة الناس بائسة من خلال عقود من العقوبات غير القانونية، وأذكّر الحكومة وشركاءها مرة أخرى، هناك الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان والدستور، الذي يجب عليكم الالتزام بهما، ارفعوا أيديكم عن القضاء، لا تتجاهلوا قرارات المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، لا تنتهكوا الحقوق الدستورية، فالمحاكمة ليست قانونية”.
 كما صرح رئيس بلدية ماردين، أحمد تورك، المحكوم عليه بالسجن عشر سنوات في قضية كوباني: إن “هذا القرار غير قانوني، بل هو قرار سياسي، نواجه نهجاً يستهدف إخافة الكرد، وإسكاتهم والتخلي عن المطالبة بحقوقهم، ليكن بعلمهم لن نترك قضيتنا، وسنواصل النضال من أجل السلام في هذا البلد ومستقبله، هذا القرار يهدف إلى تعطيل السلم الاجتماعي واستمرار سياسات التهميش، وإن الأحكام قرار سياسي فُرض على المحكمة”.
 وِأشار: “نحن لسنا حزينين على العقوبات التي طالتنا، ولكننا حريصون على تحقيق السلام في تركيا، لذا يجب أن يتحد شعبنا ومجتمعنا حول القيم الديمقراطية المشتركة، لقد اتخذنا دائمًا أخوة الشعوب أساساً للعيش بين الشعوب، واليوم سنواصل النضال من أجل أخوة الشعوب، وقضية كوباني ستسجل في التاريخ، وستكون لطخة سوداء في تاريخ السياسة التركية”.
 نائب رئيس مجموعة حزب الشعب الجمهوري جوخان جونايدن، أبدى رأيه بالقضية: لا “ينبغي لأحد أن يتحدث هنا في تركيا عن استقلال القضاء، لأن القضاء عندنا مسيس، وهذه القضية هي مؤشر أساسي لابتعاد تركيا عن تطبيق القوانين”.
كوباني أصبحت كابوساً لأردوغان ولمؤيديه
السياسي أرطغرل كوركجو، قال: “كوباني سقطت، إنها تسقط، قريبا ستسقط”، هذا ما كان يقوله أردوغان، لكن مع مقاومة الشعب والنضال “اللامحدود” لحزب الشعوب الديمقراطي، أصبحت كوباني كابوسًا لأردوغان ومؤيده، هذه الأحكام، التي صدرت بحق السياسيين الكرد في قضية كوباني، أوسمة شرف علقت على صدور أعضاء حزب الشعوب الديمقراطي، لقد هزم نظام الرجل الواحد في كوباني، وأنهى حديثه “بجي برخودانا كوباني” (فلتحيا مقاومة كوباني)”.
وعلق السياسي سري ساكيك، على القضية: “لم يتغير شيء منذ محاكمات استقلال الجمهورية على الصحفي علي طوبوز، وتساءل، هل يرى النظام التركي أن الحكم بالسجن مدة 30 عامًا على فيغن يوكسكداغ، وعلى أحمد تورك بالسجن مدة عشر سنوات أمر عادي؟
ومن جانبه، قال الصحفي حقي أوزدال: “العقوبات المفروضة في قضية كوباني على السياسيين الكرد، مؤامرة سياسية من حزب العدالة والتنمية، والحركة القومية الفاشية، لقد وصلنا اليوم إلى نهاية أكبر مؤامرة سياسية في تركيا، هذه ليست قضية مدنية، وليس لها علاقة بالقانون، إنها قضية مؤامرة تم إعدادها بشهود سريين وتفسيرات قسرية، وتوجيهات من السلطة السياسية”.
 واستطرد: “قضية كوباني سيناريو كتبه القصر الرئاسي، لقد دمرت الحكومة فرصة عظيمة لتحقيق الديمقراطية في تركيا، إن تركيا تقف الآن على مفترق طرق نحو التحول الديمقراطي، أما أن تفتح الطريق أمام تنظيمات شبيهة بداعش في تركيا والشرق الأوسط، أو أن تتجه نحو القوى الديمقراطية، وأولى الخطوات تكمن في تبرئة السياسيين الكرد في قضية كوباني”.
وفور إطلاق سراحها، صرحت الرئيسة المشتركة السابقة لبلدية آمد، كولتن كاشناك: “لا أحتاج في الواقع إلى إطلاق سراحي، بل نحن بحاجة إلى الحرية والسلام، وآمل أن نخوض النضال جميعًا، وننتصر ونحل المشاكل في هذا البلد على أساس الحرية، لا يتعلق الأمر بالفوز بقضية أو بإطلاق سراحي”.
وبينت: “نهدف لخلق بيئة يستطيع فيها هذا البلد حل مشاكله، نريد أن نعيش في بلد تكون فيه المرأة حرة، والناس أحرار، والمعتقدات حرة، لا يتم فيه إنكار الهويات واللغات نريد أن نعيش بحرية في الداخل أو الخارج”.
واختتمت، كولتن كاشناك: “أعلم أن البقاء في الخارج بمفردك لا يعني إنك حر، ولسوء الحظ، لا يمكن لأحد منا أن يتمتع بالحرية الكاملة في مكان لا يوجد فيه قانون، أو عدالة، أو سلام، نحن نعمل على أن يكون مستقبل تركيا زاهراً حراً للشعوب، كبيرهم وصغيرهم ونسائهم”.