قال المفكر “عبد الله أوجلان” عنه ذات مرة أنه بمثابة الغذاء والأوكسجين “التدريب”. وانطلاقاً من ذلك، أطلقت المرأة في منبج لنفسها العنان بدخول كافة ميادين العمل جنباً إلى جنب الرجل، وكسرت النظرة النمطية الاجتماعية السائدة من أن المرأة لا تقوى على شيء، وتبوأت المرأة العديد من المناصب السياسية والإدارية، وما كانت لتصل إلى كل ذلك لولا التدريب.
مع تحرير مناطق شمال وشرق سوريا من رجس مرتزقة داعش بدأ فكر الأمة الديمقراطية بالانتشار، هذا الفكر الذي يعتمد بشكل أساسي على إعلاء شأن المرأة مجتمعياً ومؤسساتياً، كونها تشكل الفقرة والحلقة الأقوى بهذا المشروع الديمقراطي. ومنذ ذلك الوقت وجدت الأكاديميات الفكرية كرافد علمي وصرح حضاري يهيئ الأفراد على اختلافهم للتعرف على كافة أنواع العلوم والمعارف، كما وجدت في المقابل أكاديميات فكرية خاصة بالمرأة ساهمت إلى حد كبير في تنوير المرأة وإعدادها فكرياً وثقافياً لتتمكن من ولوج واقعها بكل ثقة وثبات. وهنا السؤال المطروح، كيف استطاعت المرأة أن تحقق ما حققته في غضون فترة قصيرة؟ وماذا عرفت من الحقائق حتى تنتفض من ذلك الركام، وهل المرأة في منبج وصلت إلى مرحلة من النضج الفكري المبتغى والمرتجى. كل هذه الأسئلة وغيرها كانت محور لقاء أجرته صحيفتنا “روناهي” مع عدد من العضوات في مختلف المؤسسات الفكرية.
أهمية التدريب
تقول عضوة مركز الجنولوجيا والناطقة باسم اتحاد المرأة الشابة “سمر حزوري” في حديثها عن واقع المرأة: “إذا عدنا إلى التاريخ على ضوء المراحل السابقة التي مرت بها المرأة منذ خمسة آلاف سنة، فإننا نجد أنها عانت من انكسارات واحتكارات فكرية مختلفة. أما مع بداية الألفية الثالثة وتحديداً في سوريا فقد حدث تغيير في ذهنية المرأة بمناطق شمال وشرق سوريا بالأخص”، وتتساءل سمر حزوري كيف حدث ذلك؟
وتضيف: “إن الذي تغير في ذهنية المرأة هو طريقة تفكيرها ومعرفتها للتدريب، فما هو التدريب، وما أهميته للمرأة خصيصاً”؟ وتجيب سمر عن هذا السؤال فتقول: “التدريب منح المرأة الثقة بذاتها ونفسها، فالتدريب أمر هام بحياة الإنسان، فهو يتيح تعلم أشياء ما كنا نعرفها من قبل، كما ويجعلنا نركز على الفوارق الفكرية قبل خضوع المرأة للتدريب أو من بعده وستكتشف حقائق معرفية وعلمية بحياتها للمرة الأولى وستلتمس مدى السذاجة التي كانت تحيط بعاداتها وممارساتها اليومية، والذي من المؤكد أن بعضاً منها خاطئ، بيد أن التدريب هو المسار الذي يصحح هذه الجوانب إلى الاتجاه الصحيح عبر ورشة صغيرة للدروس والمحاضرات التي تعقد في الأكاديميات الفكرية”.
انكسارات تاريخية
وحول انكسارات المرأة تاريخياً، تشير سمر أنه لا بد من العودة إلى التاريخ جيداً: “أركز على التاريخ كونه يمثل الجذور الحية للانطلاق نحو نقاط القوة في الحاضر”، فتتعرف المرأة من خلال التدريب على تاريخها العريق، في المقابل إذا قلبنا المعادلة رأساً على عقب، فإن أي امرأة تفتقد إلى تاريخها الماضي فهي تفتقد إلى ضرورة وجودها بالحاضر.
وبحسب سمر حزوري فقد تعرضت المرأة لعدد من الانكسارات التي من أبرزها؛ الفهم الخاطئ للديانات على مر العصور ولا تحب التطرق إلى هذه المسائل لكن من المؤكد أنها جميعاً تكرم المرأة إطلاقاً، وما حدث أن التفسيرات والشروح التي أطلقها بعض علماء الأديان أظهرت النزعة الراديكالية المتشددة تجاه المرأة: “وأعني وفق هذه الطروح الوضعية، أن المرأة من ضلع أعوج بحسب رأيهم، وهي من ضمن أملاكه العينية ويقتني إرادتها بحيث تكون ضمن وصايته دون أن يترك للمرأة حرية الرأي والخيار”.
وتضيف في حديثها عن الانكسارات: “أخذت مكانة المرأة بالانحدار تدريجياً بسبب الممارسات الاستبدادية من السلطة الذكورية وسلطة المجتمع ووفق ذلك فالمرأة ربة منزل وعبدة لتلبية رغبات ونزوات الرجل فحسب. ولا شك حين تفتتح دورة للتدريب بإحدى الأكاديميات تبدأ المرأة بمراجعة نفسها وأنها كانت ذات يوم آلهة، وكيف كانت تتمتع بمكانة عالية في مجتمعها آنذاك، وبالتالي هذا الأمر يخلق حافزاً للمرأة وردة فعل لها كي تتمكن من مواجهة ذاتها، فلا سبيل لها إلا بالعودة إلى طبيعتها الحقيقية، حيث كان بإمكانها إدارة المجتمع على كافة الأصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعسكرية”.
وأيضاً في ضوء حديثها عن الانكسارات، تنوه سمر أن: “كلمة العيب عندنا أقوى من كلمة حرام إذ تتجاوز حجم تأثيرها اللفظي الكارثي إلى المعنوي، فحجم تأثير العادات والتقاليد كبير، وفي هذا المقام نستذكر ونستنكر جريمة قتل الفتاة القاصر (عيدة الحمودي) في الحسكة، فهم قتلوها رغم أنها لم تدرك معنى الحياة بعد. هذه الجريمة النكراء نابعة من قذارة المجتمع بكل مساوئه وإلا فإن فكر الأمة الديمقراطية يكفل للمرأة العيش بعز وشرف، لا شرف هؤلاء السفاحين والقتلة. ولا شك لو أن المجتمع نال قيم التدريب الحقيقية المتأصلة فإنه سيتوصل إلى آليات الوعي والتفكير الناقد السليم ويتوصل مع ذلك إلى مجموع من الفضائل كالمساواة والعدالة، وهذه الحال من الانكسارات المريبة الكثيرة والمتزايدة ما كانت لتحدث لو تلقينا التدريب الكافي والمستمر”.
مكتسبات وإنجازات
وعلى ضوء مكتسبات المرأة تؤكد سمر حزوري على ضرورة قراءة المرأة للاضطهاد والانكسارات التي تعرضت لها منذ خمسة آلاف سنة، أما قبل ذلك التاريخ فمثلت المرأة معاني القداسة بكل تجلياتها واحتلت مكانة الآلهة بتلك العصور الذهبية، كما ونظر لها كشريكة للرجل في المجتمع.
وتضيف: “تمثل المرأة صيرورة التاريخ وتحولاته وأبعاده ضمن دائرة التأثر والتأثير في نهضة المجتمع وتطوره إلى أفضل صوره ورموزه كآلهة الخصوبة والعطاء والحياة. إن التدريب الذي يعطى بالأكاديميات المغلقة وغير المغلقة يساهم بقدر كبير في تعريف المرأة لذاتها من خلال المحاضرات والحوارات بين المحاضر والحاضرات، فضلاً عن أهميتها في بيان مكانتها المرموقة إلى جانب التعرف على جوهرها في ذلك المجتمع الطبيعي”.
وتؤكد سمر في ختام حديثها أن التاريخ يمثل عودة حقيقية إلى المجتمع الأمومي الذي كانت به المرأة قيادية فيه بكل ما للكلمة من معنى، والاطلاع على دورها المساند لدور الرجل في كل شؤون الحياة، لكن هذا الدور الهام في الوقت الحاضر غيب تماماً.
ذهنية منفتحة
وبدورها، تشير عضوة لجنة التدريب باتحاد المرأة الشابة “سيدانة حنوش” في حديثها عن انفتاح ذهنية المرأة في الوقت الراهن: “المرأة كانت تعاني الأمرين بسبب الأنظمة الحاكمة التي كانت تحكم قبل إعلان الإدارة الذاتية بمناطق شمال وشرق سوريا إلى جانب بعض العادات والتقاليد الاجتماعية البالية. وتعرضت على مر السنوات المتتالية إلى حوادث القهر والقتل والاغتصاب والتشريد حيث ليس لها في ظل واقعها المؤلم سوى القشور خاصة فيما يخص التشريعات والقوانين الجوفاء، وإن وجدت أصلاً فهي لا تطبق وليست إلا حبراً على الورق بل كانت المرأة جماداً ليس لها أي طموح أو أهواء ولم تحقق أي تقدم يذكر”.
وتبين شارحة: “إن وصول فكر الأمة الديمقراطية إلى مناطق شمال وشرق سوريا أعاد المرأة إلى سابق عهدها بالمجتمع الأمومي، لا بل إنها كانت تمارس أنشطتها وأعمالها في مختلف المجالات دون أن تتعرض إلى مضايقات على المستوى السياسي والإداري في منبج خصيصاً ومناطق شمال وشرق سوريا عموماً”.
وتعليقاً على إنجازات اتحاد المرأة الشابة تقول سيدانة: “هناك عمل شاق ومضنٍ يتمثل بإقناع المرأة الشابة بأهمية التدريب، أو بعبارة أدق إقناع أهلها بضرورة خضوعها للتدريب الذي سيعزز من ذاتها ومن تواجدها في كافة الميادين، كما قدمت المرأة العديد من الإنجازات، من أهمها دورة باللغة الكردية بالإضافة إلى دورة في قيادة السيارة. هذه الأمور في ميدان التدريب الفكري أكسب جرعة ثقة زائدة بعد أن تنهل من مختلف العلوم والأديان والفلسفات وتبدي رأيها بالمناقشات والحوارات، في المقابل هذه الأمور غير موجودة إلا في التدريب”.
وتذكر سيدانة حنوش على سبيل الإيضاح: “المرأة تمكنت من إدراك واقعها بشكل سليم مما أدى إلى استخدام الفكر والعقل، فمثلاً لو أن امرأة دخلت إلى مجال الاقتصاد أو أي ميدان آخر، فإذا لم تخضع للتدريب أولاً فلن تنجح بالمطلق، حيث يترتب على كل عمل من الأعمال العديد من الظروف والتبعات، فهل ستعرف معنى الاقتصاد؟ وكيف ستساهم المرأة عن طريق تلقي التدريب بتبلوره ووجوده بالكيفية والنوعية المطلوبة؟ وهل ستعرف ما معنى الرئاسة المشتركة على المستوى الإداري، فإن ما بعد ذلك مواجهة شرسة لمشقات الحياة واختلافاتها البنيوية أيضاً”.
مقارنة
وتختتم عضوة لجنة التدريب باتحاد المرأة الشابة سيدانة حنوش حديثها بالقول: “أعتقد أنه لو كانت هناك مقارنة بين الفترة الماضية وفترة تأسيس الإدارة الذاتية بمناطق شمال وشرق سوريا، سيكون هناك بكل تأكيد العديد من الفروق الهامة. وستدرك المرأة أنها باستطاعتها مجاراة الرجل في كل الأشياء وبكافة المجالات حيث تخطت مرحلة البدايات والعشوائية التي يعاني منها المجتمع في نظرته الدونية للمرأة إلى مرحلة الانطلاق والوقوف على القدمين رغم وجود أخطاء ونقائص عدة إلا أن هناك تقدماً ملحوظاً بتمكين المرأة رغم وجود صعوبات ومشقة كبيرتين”.
تقول عضوة مركز الجنولوجيا والناطقة باسم اتحاد المرأة الشابة “سمر حزوري” في حديثها عن واقع المرأة: “إذا عدنا إلى التاريخ على ضوء المراحل السابقة التي مرت بها المرأة منذ خمسة آلاف سنة، فإننا نجد أنها عانت من انكسارات واحتكارات فكرية مختلفة. أما مع بداية الألفية الثالثة وتحديداً في سوريا فقد حدث تغيير في ذهنية المرأة بمناطق شمال وشرق سوريا بالأخص”، وتتساءل سمر حزوري كيف حدث ذلك؟
وبدورها، تشير عضوة لجنة التدريب باتحاد المرأة الشابة “سيدانة حنوش” في حديثها عن انفتاح ذهنية المرأة في الوقت الراهن: “المرأة كانت تعاني الأمرين بسبب الأنظمة الحاكمة التي كانت تحكم قبل إعلان الإدارة الذاتية بمناطق شمال وشرق سوريا إلى جانب بعض العادات والتقاليد الاجتماعية البالية. وتعرضت على مر السنوات المتتالية إلى حوادث القهر والقتل والاغتصاب والتشريد حيث ليس لها في ظل واقعها المؤلم سوى القشور خاصة فيما يخص التشريعات والقوانين الجوفاء، وإن وجدت أصلاً فهي لا تطبق وليست إلا حبراً على الورق بل كانت المرأة جماداً ليس لها أي طموح أو أهواء ولم تحقق أي تقدم يذكر”.
