ليلى قاسم.. أرهبت جلاديها ببسالتها

إعداد/ ميديا غانم –

جمعت ابنة كردستان بين نضالها من أجل حقوق الكرد والمرأة معاً، فكانت ترى أن المرأة يمكن أن تكون كما الرجل في ساحات النضال لتستشهد في سبيل قضيتها، حيث كانت تقول: “إني أشعر بالسعادة لأن موتي سيفتح وعي الآلاف ليسلكوا نفس الطريق وسينال شعبنا حريته”.

ولدت ليلى قاسم في ضواحي مدينة خانقين بقرية بانميل “المنطقة النفطية التي تقع على ضفاف نهر الوند” بباشور كردستان في ٢٧ من كانون الأول ١٩٥٢ لأسرة كردية (فيلية) وكان لها ثلاثة إخوة؛ عبد السلام، صباح، صبيح، وأخت اسمها صبيحة، وكانت ليلى الطفلة الثانية في العائلة، والدها كان عاملاً في مصفى نفط خانقين، وكانت عائلتها تتميز بتمسكها بمبادئ حبّ الوطن والحرية.

التحقت ليلى بالمدرسة في عام ١٩٥٨، فدخلت ابتدائية (مصفى الوند للبنات) واستمرت في الدراسة بمسقط رأسها خانقين لحين انتهائها من المرحلة المتوسطة. حيث أحيل والدها على التقاعد، فقرر الرحيل إلى بغداد، ورغم حالة الفقر التي كانت تعيشها العائلة إلا أنها اهتمت كثيراً بتعليم أبنائها، فكانوا مجتهدين ومتفوقين في دراستهم.

كانت من أنشط الوجوه الطلابية

ابتدأت دراستها الجامعية في كلية الآداب بجامعة بغداد في قسم الاجتماع عام ١٩٧١ وتميزت بشخصيتها القوية واهتمامها بالجانب السياسي والاجتماعي والثقافي والتي أهلتها للدخول في صفوف اتحاد طلبة كردستان، والعمل الحزبي لاحقاً، فكانت من أنشط الوجوه الطلابية، ناهيك عن امتيازها بالذكاء الحاد والحس العالي بالوطنية، وكانت تحلم بتأمين الحقوق القومية لشعبها وثابرت من أجل ذلك.

انضمت إلى حزب الديمقراطي الكردستاني فكسبت عضوية الحزب بسرعة لنشاطها وكفاءتها وتفانيها الواضح، لذا نشطت في صفوفه عام 1973، وجمعها النضال الطلابي مع رفيق دربها وخطيبها الشهيد جواد الهماوندي، وكان ذلك رباطاً أبدياً حتى استشهادهما معاً.

اختارت ليلى قاسم طريق النضال في سبيل شعبها وقضيتها رغم صعوبته ووعورته، لقناعتها بعدالة القضية التي شرعت تناضل من أجلها، سعياً لخلاص الشعب الكردي من دكتاتورية سلطة البعث التي كانت تفرض اللون الواحد واللغة الواحدة، فتعرضت للكثير من الانتهاكات على يد النظام البعثي الفاشي آنذاك.

“يريدوني لأنني كردية”

نتيجة للأحداث السياسية التي جرت في مناطق باشور كردستان عام 1974، واشتداد وتيرة الملاحقة الأمنية للكوادر وأنصار الحزب في مختلف المدن العراقية، اقتحمت الأجهزة الأمنية منزل ليلى قاسم الكائن في مدينة بغداد بعد منتصف الليل 24 نيسان 1974، وأُلقي القبض عليها بشكل تعسفي منتصف الليل فودعت عائلتها حينها وقالت لهم: “يريدوني لأنني كردية”.

وُضعت ليلى قاسم في زنزانة انفرادية ومُنعت عنها الزيارة، ومارسوا بحقها كافة أنواع التعذيب الجسدي والنفسي، وفقؤوا عينها اليمنى، كما شوهوا جسدها بصورة فظّة أيام الاعتقال، لكنها صمدت أمام أدوات الإجرام البشعة وحتى أمام حبل المشنقة.

وقبل يوم من إعدام ليلى سمح لأهلها بزيارتها، فطلبت منهم إحضار زيها الكردي لها فلبسته حين صعدت لحبل المشنقة بكل شجاعة ووقفت أمام جلاديها بزيها الكردي وهي تردد النشيد الوطني الكردي بإباء وشموخ كشمس ساطعة أرهبتهم بسالتها.

استشهدت المناضلة ليلى قاسم على أيدي النظام البعثي في العراق بعد محاكمة صورية قصيرة، وأُعدمت في الثاني عشر من أيار سنة ١٩٧٤ أي بعد أقل من أسبوعين على اعتقالها مع رفاقها الشهداء الأربعة، ثلاثة منهم كانوا من طلبة جامعة بغداد والرابع خطيبها الشهيد جواد الهماوندي فكانت أول عملية إعدام لامرأة في الشرق وعلى أسس سياسية، ودفنت في النجف جنوب العراق.

زهرة كردستان الأبية الشهيدة ليلى قاسم أضحت نبراس المرأة المناضلة والتواقة للحرية، وتيمناً بشجاعتها سمى آلاف الأمهات الكرديات بناتهن باسمها، كيف لا وهي التي ضحت بروحها في سبيل قضيتها وشعبها فكانت دائماً تقول: “لابد لأبطال الكرد من مواصلة المسيرة النضالية الشاقة لتستقيم عندهم الحياة بموازاة الشهادة”.