لم ييأس جليس الدار.. بل تحدّى الإعاقة ليرسم ملامح القوّة

قامشلو/ دعاء يوسف –

رجل من مدينة قامشلو، رفض أن يكون عالة على المجتمع، وينتظر نفحات الحكومة، لذوي الاحتياجات الخاصة، ولم يلعن الزمن والدنيا على عيشته، بل تحدى إعاقته؛ ليكون معيلاً لنفسه ولعائلته.

يجب أن يكون لدى كل إنسان حافز؛ لكي يعيش، كيف يمكن للمرء أن يحيا بلا أمل، بل وكيف يحيا، وهو ينظر لنفسه كل يوم بيأس، كأنه ينتظر الموت، أو أن يتخلص من حياته، والفرق الحقيقي بين الأشخاص هو الطموح، فهناك من يحبس نفسه في إعاقته، وهناك من يعانق الحياة، ويلقي نفسه فيها، فيبلغ ما يريد.

ومن الشائع أن تقترن الإعاقة بالفشل، والاعتماد على الآخرين والعجز، ولكن الإعاقة لا تمنع أحداً أن يعيش حياته بكل ما فيها من ألم وسعادة، اليأس فقط من يفعل ذلك، هو من يضع تلك الأغلال الحقيقية على قدراته، فلمَ لا تُكسر الحواجز التي تعيق المرء عن عيش حياة كريمة؟.

وذوو الاحتياجات الخاصة، أشخاص قادرون على عيش حياة طبيعية، لا العيش على الهامش، وانتظار من يعيلهم، ومن بين هؤلاء الأشخاص، الذين لم ينتظروا على هوامش الحياة زكي محمود خليل من مواليد 1965 عانى من التشوه الخلقي منذ نعومة أظفاره، لكنه لم يستسلم بل نظر للأمل المخبَّأ بين طيات الحزن واليأس.

نسيان إعاقتك بنسيانك أنت

وخلال لقائنا مع خليل، حدثنا عن طفولته ومساندة أهله له: “لم أشعر يوماً أني مختلف عن أحد، بل كنت كبقية الأولاد، ولدت بالإعاقة في يدي وقدمي، ولكن لم تعقني تلك الأشياء عن تحقيق حلمي في العمل والزواج، فوالديّ زرعا في داخلي مفهوماً، أنني لست مختلفاً، وأني شخص طبيعي بتميُّز من الله”.

وأضاف: أنه بالرغم من إعاقته عاش طفولته، ولم ينعزل عن الناس، وعدّ هذه الإعاقة ابتلاء من الله سبحانه وتعالى، ولعب مع أصدقائه؛ ليعيش طفولة طبيعية بين أقرانه، علق على هذا الأمر “الناس تنسى إعاقتك، عندما أنت تنساها، وتتعامل بسواسية مع غيرك”.

وأشار خليل إلى وجود عملية لتعديل التشوه في قدميه، اقترحها طبيب جراحة على والديه، ولكنهما لم يتقبلا الفكرة خوفاً على ولدهما الوحيد.

ذهب خليل لمدرسة شريف الرضي، وأكمل تعليمه في مدرسة عربستان، لينال شهادة البكلوريا، غير أنه لم يتابع تعليمه كما قال: “توقفت عن الدراسة رغم تفوقي، وأنني أستطيع الكتابة بكلتا يدي”.

ولم تتوقف حياة خليل هنا؛ ليبحث عن عمل وينخرط في المجتمع: “كنت مقتنعاً، لما وصلت إليه درست 12 سنة، واستطعت أن أثبت للمجتمع ولنفسي أني إنسان طبيعي، ولم يعاملني أحد بشفقة، أو أني أقل منه، فعملت في مرآب للحبوب محاسب إنتاجيه، غير أني أعمل من المنزل، وأصدقائي في العمل، يحضرون لي البطاقات كل شهر لأنجزها وأسلمها”.

صعوبات وتكاتف مع العائلة

مواجهة الصعاب التي تعيق الإنسان، عن التقدم أمر شائع لدى الجميع، فيواجه كل شخص العديد من المشاكل والمحن، التي تدفع البعض للأمام، والبعض الآخر يستسلم دون تجاوزها.

فمثل الجميع عانى خليل العديد من الصعاب والمشاكل، التي تقف في طريقه، ولكنه لم يستسلم لها، إنما استمر للأمام، وما زادته هذه الصعاب سوى قوة للوقوف في وجه الحياة، فبيّن لنا بعض هذه المشاكل: “عانيت الكثير من الصعاب، وأبسطها الخروج والمشي في الشارع، فأنا الآن جليس المنزل لا أخرج كثيراً، وكانت لدي طموحات وأحلام، لكنها لم تكتمل بسبب وضعي الصحي”.

مع ازدياد المصاريف على زكي خليل بعد دخول أولاده للجامعة، افتتح بأحد غرف منزله بقالة صغيرة باسم (بقالة محمد): “أولادي الثلاثة دخلوا الجامعة، ومن أجل مساعدتهم لإكمال تحصيلهم العلمي، افتتحت هذه البقالة منذ ثلاث سنوات؛ بسبب مرتبي القليل جداً؛ لتصبح مصدر رزق يعيلني في الضيق”.

وأكد خليل على مساعدة عائلته له في بقالته: “أجلس في محلي الصغير؛ لتساعدني عائلتي فيه، فأولادي يقومون بجلب أغراض الدكان، وفي بعض الأحيان تجلس زوجتي فيه”.

“الإعاقة الحقيقية هي إعاقة الفكر”

وأشار خليل بكلامه إلى أشخاص من ذوي الاحتياجات الخاصة، وشعورهم أنهم مختلفون عن غيرهم بقوله: “يعامل الناس ذوي الإعاقة بطرقة المشفق كونهم أقل منهم، وبهذه الطريقة يشعر أولئك المعاقون بالإعاقة الحقيقية، نحن فقط من نصنع ما نحن عليه، إن الأمر ليس صعباً أو مستحيلاً، فعلى هؤلاء الأشخاص العمل على أنفسهم أكثر؛ للارتقاء بقدراتهم الذاتيـة؛ للوصول إلى درجة الناس السويين، إن لم يجـاوزها كذلك”.

وفي ختام حديثه لفت زكي محمود خليل على أن الإعاقة الحقيقية، هي إعاقة الفكر والتطور، وأن الإحباط هو ما يعيق الوصول، والإعاقة هي حجة من لا يريد أن يصل إلى هدفه: “لا تجعلوا إعاقتكم تمتد إلى أرواحكم، كما وصلت إلى أجسادكم”.