كلهم كسبوا وكلهم خسروا بعد الضربة الإيرانية

د. علي أبو الخير_

بعد الهجوم الإيراني ليلة يوم 13-14 نيسان 2024 على الدولة الإسرائيلية بالصواريخ والطائرات المُسيّرة، تبدو الأمور السياسية والعسكرية مضطربة، ولا نعلم من المنتصر ومن الخاسر في معركة لم تكتمل، ولو تأملنا المواقف الدول الثلاث إيران وإسرائيل وأمريكا ومعهم حركة حماس نجدهم جميعاً كسبوا وخسروا في وقتٍ واحد.

وبقراءة لما حدث نكتب عن كل دولة.

مكاسب وخسائر

بخصوص إيران نجدها بهذا الهجوم أصبحت قادرة على استعراض قوتها العسكرية وزرع الخوف لدى الإسرائيليين وتعطيل حياة كثيرين بإلغاء الدراسة، وأثبتت أنها قادرة على الوصول للعمق الإسرائيلي بسهولة بدلاً من وكلائها في المنطقة، ليس ذلك فقط، فقد أخطرت إيران دولاً عربية وأبلغت أمريكا بتوقيت الهجوم قبل وقوعه بثلاثة أيام، والأخيرة بدورها أخطرت الكيان الإسرائيلي، فلم تحدث خسائر في الأرواح الإسرائيلية، ومعنى ذلك أن إيران قد تقوم بالهجوم مستقبلاً بدون إخطار أحد في حالة الحرب، وإسرائيل فهمت الرسالة ولو حدث مثلاً قتل قادة إيرانيين آخرين، ربما يجد الإسرائيليون أنفسهم تحت طائلة مئات الصواريخ والمسيّرات الحديثة، كما كسبت إيران حفظ ماء وجهها أمام الشعب الإيراني بالداخل لأنها انتقمت من إسرائيل بعد ضربها للقنصلية الإيرانية في دمشق.

وفي المقابل خسرت إيران كثيراً من التعاطف العربي، فقد انتظرت الشعوب العربية ضربات هائلة من الصواريخ والمُسيّرات، وبعد الهجوم استعادت إسرائيل الكثير من تعاطف الشعوب الأوروبية التي تعاطفت مع قطاع غزة، ولكنها ترى اليوم هجوماً إيرانياً كاسحاً ضد إسرائيل الدولة التي تحارب من أجل وجودها وبقائها في المنطقة كما يروج الإعلام الصهيوني والعالمي.

وبخصوص إسرائيل، فإنها كانت قادرة على اختبار دفاعاتها الجوية، التي استطاعت وبمساعدة من الحلفاء أن تعيق 99% من الصواريخ والمسيّرات الإيرانية، وفي الوقت نفسه تشعر إسرائيل أنها بدون الحماية الأمريكية والألمانية والبريطانية والفرنسية، لن تستطيع حماية نفسها، وهي التي أعطت مساحة حرية للقرار الأمريكي أن يكون نافذاً على القيادات الإسرائيلية اليوم ومستقبلاً. ولكن في المقابل انتصر بنيامين نتينياهو رئيس وزراء إسرائيل وعاد له جزء من شعبيته في الداخل الإسرائيلي وفي الخارج الغربي، وجاءت الضربة الإيرانية لتنقذ مستقبله السياسي والشخصي معاً.

ولا ننسى أن جيش إسرائيل مازال يعاني من هزيمة على يد عدو أقل تجهيزاً بكثير، عندما اقتحمت حماس صفوف قواتها في السابع من تشرين الأول 2023، وكانت هذه ضربة قوية لصورة إسرائيل كقوة عسكرية إقليمية. والآن، فإن رد إسرائيل على هجوم إيران ربما استعاد بعض الثقة في جيش إسرائيل، ولكنه في النهاية لن يقوم بالرد على الهجوم الإيراني، وانتهت الضربة بخسائر ومكاسب لكل فريق، إسرائيل وإيران.

وبالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية فهي كانت طرفاً رئيسياً في ردع الهجوم الإيراني وأسقطت أكثر الصواريخ والمسيّرات بعيداً عن حدود الدولة العبرية، وأظهرت لحلفائها حول العالم، خاصةً في المنطقة العربية قوة الدعم الأمريكي وموثوقيته، ولكنها دائماً تخسر الشعوب العربية، التي تنحاز ضد السياسة الأمريكية، وهو شعور ممتد عبر العقود السابقة.

أما عن حماس، فهي ربما تأمل أن يكون الهجوم بمثابة الطلقة الأولى، من مشاركة إيرانية أكبر في الحرب في غزة، وربما تأمل أيضاً تصاعد العنف في الضفة الغربية مع مهاجمة المستوطنين اليهود للقرى الفلسطينية. وعلى أقل تقدير، فإن الهجوم الإيراني ربما شجّع حماس على التمسك بموقفها في المفاوضات حول وقف إطلاق النار، أملاً في أن يؤدى الضغط العسكري المتزايد على إسرائيل إلى قبول شروطها للتوصل إلى اتفاق… نقول ربما.

إن الضربة الإيرانية قد تكون نذيراً لما قد يحدث في المنطقة، في المستقبل غير المنظور من الحروب المباشرة وغير المباشرة بين إيران مع حلفائها وإسرائيل مع حلفائها.

والأمر الأكيد إن المنطقة العربية أو منطقة الشرق الأوسط ككل، ستظل ساحة صراعات لا تنتهي، صراعات أيديولوجية وسياسية، إمبريالية ورأسمالية، كلها تتصارع في صرة العالم القديم، وهي منطقة ظهور ديانات السماء، والتي تحض على السلام، لكن “البعض ” من البشر يريدون الحروب…  ولله الأمر من قبل ومن بعد…