في جنوب سوريا ثورة كرامة وليست ثورة جياع

رامان آزاد_

---

ترتفع الأصوات بقوة في جنوب سوريا في محافظتي السويداء ودرعا على خلفية الظروف المعيشيّة الصعبة، فيما التهم قرار رفع أسعار المحروقات الزيادةَ العامة في الرواتب، والتي لمَّا يقبضها المواطنون، وأخذتِ الشعاراتُ منحىً تصعيديّاً، كما تعددت مواقع الاحتجاج ولم تقتصر على مواقيت خاصة بالنهار بل تواصلت الاعتصامات ليلاً أيضاً، مترافقة مع حالة إضراباٍ وسكون في الحركة العامة والأسواق، ويقول المحتجون إنها ثورة كرامة، وليست ثورة جياع.

احتجاج وإضراب شامل

فيما شهد الشهر الحالي أصواتاً خافتة سمّت نفسها حركة العاشر من آب، وبقيت في طورِ الكمون ولم تتحول إلى حركة فاعلة، ولم تغادر المنشورات التي تُلقى ليلاً وشخصيات ملثمة، إلا أنّ الصرخة في احتجاجاتِ محافظاتِ جنوب سوريا كانت بأعلى الصوت، ورددت شعارات تطالب النظام بالرحيل ونظام إدارة لا مركزيّ.

وجاءت الاحتجاجات على خلفية الأزمة المعيشية وتدهور الاقتصاد وفشل الحكومة في إيجاد حلولٍ ناجعة، وبالتزامن مع زيادة عامة على الرواتب مقدارها 100%، بالتوازي مع رفع الدعم الكليّ عن البنزين والجزئيّ عن المازوت، وخسارة الليرة السورية أكثر من 99% من قيمتها. ما أطاح بكامل قيمة الزيادة.

تواصلتِ الاحتجاجاتُ الشعبيّة التي بدأت في الـ17 من الشهر الجاري، في محافظة السويداء واتسع إطارها وتحولت إلى انتفاضاتٍ مناهضةٍ للحكومة، في تحركٍ يعبر بوضوح عن رفض الواقع المعاش، وتجسّد بعصيانٍ مدنيّ وإغلاق للأسواق شبه تام في السويداء، وذكرت إذاعة “شام إف إم” الموالية للحكومة أنّ الامتحانات الجامعيّة في المحافظة تأجلت بسبب إغلاق الطرق. وانضمّت الجارة درعا إلى خط الاحتجاج أيضاً.

وذكرت منصة السويداء 24 الإخباريّة أنّها أحصت يوم الإثنين الماضي “أكثر من 40 نقطة احتجاج في محافظة السويداء، تجاوباً مع دعواتِ الإضراب العام، التي استجاب لها أهالي المحافظة بشكل ملفت وغير مسبوق منذ عام 2011. ومن البلدات التي خرجت فيها التظاهرات: شقا، سليم، عريقة، والهويا، وقنوات ومجادل، وريمة حازم، وولغا، والكفر، وذيبين، عرمان، الصورة الصغيرة، وشهد الريف إضرابًا شبه كامل، شمل إغلاق معظم الدوائر الحكوميّة، وإقفال المحال التجاريّة، وإغلاق الطرق المؤدية إلى مراكز المدن والبلدات.

شهدت مدينة السويداء وأريافها الثلاثاء 22/8/2023 احتجاجات كان أهمها في ساحة الكرامة في قلب مدينة السويداء، وطالب المحتجون برحيل الرئيس السوري بشار الأسد، ونادوا بـ”إسقاط النظام” وتطبيق القرار الأمميّ 2254. وقال نشطاء إنّهم مستمرون في الاحتجاج والتظاهر والعصيان المدنيّ حتى يتحسن الوضع المعيشي ويسقط النظام”. مشيرين إلى أنّ ثورة السويداء ثورة كرامة، وليست ثورة جياع كما يقول البعض”، وأنّهم شاركوا في الحراك الشعبيّ والثورة منذ بدايتها وحتى اليوم. وكان على “شكل مظاهرات تبدأ بمطالب معيشيّة، والتحول لم يجرِ على مسارها وجوهر مطالبها، بل على زخمها وشكل المشاركة وحجمها.

المحتجون الذين طالبوا برحيل النظام القائم وصفوه بالاستبداد، فقد أوصل الشعب السوريّ إلى مرحلة بائسة من التجويع والذل وتسبب بهجرة السوريين إلى أنحاء مختلفة من العالم، وطالبوا المنظمات والهيئات الدوليّة الالتفات إلى معاناة السوريون في الداخل. وكتب على إحدى اللافتات “بدنا نعيش بكرامة، بدنا المعتقلين، بدنا مستقبل لأولادنا”. وكُتب على لافتة أخرى “حرية الشعب واستقلاله أكبر من منصب رئيس”.

وتسود الشارع توقعات بأنّ حركة الاحتجاجات لن تتوقف ومنفتحة على مزيد من التصعيد، والمشاركة الأوسع، فيما تلتزم حكومة دمشق الصمت حيالها حتى الآن، إلا أنّ المحتجين لا يخفون خشيتهم من تغير في موقفها وردة فعل مبالغ فيها يُستخدم فيها العنف. بالمقابل يرى مراقبون أنَّ الاحتجاجات في الجنوب السوريّ تترافقُ مع تغييراتٍ سياسيّة، ستسمح لأهالي محافظات الجنوب أن يصدعوا بما يريدون قوله حتى تتحقق مطالبهم والتوصل إلى حلٍّ سياسيّ.

تحوّلٌ في حراكِ المحافظة

أكد شيخ عقل الطائفة الدرزية حمود الحناوي، في بيانٍ الأربعاء، تعليقاً على ما تشهده محافظة السويداء من حراكٍ في يومه الرابع، أنَّ المواطن له الحقُّ أن يطالبَ بصوت جريء ووقفة لا رجعة عنها، لإيجادِ الحل الحاسم، وشدد على أنّه “للصبر حدود”، وطالب أبناء المحافظة أن يكون موقفهم موقف الكرامة والحرص على آدابها والحفاظ على مؤسسات الدولة الرسمية العامة والخاصة وعملها.

وقال: إن المواطن من حقه أن يعيش كريماً آمناً على نفسه ورزقه وعائلته، وعلى المسؤولين أن يعلموا حقّ العلمِ أنَّ البطالة والجوع هما أكبر محرك لانهيار المجتمع، وأنَّ الفساد المستشري بات أصل المشكلة وطال كلَّ موقع في البلاد.

يرى الناشط السياسيّ، مهند شهاب الدين، عضو مؤسس للتجمع الديمقراطي العلمانيّ وعضو المكتب الإعلاميّ للمجلس للسوريّ للتغيير، أنّ السبب وراء الاحتجاجات التي عمّت محافظة السويداء مؤخراً هو “الواقع الاقتصاديّ والسياسيّ المزري الذي وصلت له بسبب سياسية الاستبداد والقمع الممنهج وتغول الأجهزة الأمنيّة مع عدم اكتراث سلطة الأمر الواقع بمطالب المواطنين وحقهم بالحياة”.

ويعتقد “شهاب الدين” في حديث أدلى به إلى وكالة نورث برس، أن “الاحتجاجات ستعلو وتيرتها ويزداد زخمها يوماً بعد يوم، لأنّه اتخذ قرار بأنّه لن تفتر الهمة حتى تتحقق المطالب، التي سيصدر بيان عام في محافظة السويداء بشأنها خلال اليومين القادمين”.

يقول المحلل السياسيّ يوسف سليقة، من أبناء السويداء، إنَّ هذا الحراك مختلف “بالشعارات السياسيّة عالية السقف والبعيدة عن الشعارات المطلبيّة والمعيشية وعن تردّي الوضع المعيشيّ والاقتصاديّ للناس، والذي هو الدافع الأساسيّ لهذه المظاهرات”.

وأضاف أنّ هذه الاحتجاجات “تعدّ نقطة تحول فارقة في حراك المحافظة، وستكون لها مفاعيل إيجابيّة عديدة تسهم وبفاعليّة في التغيير السياسيّ المنشود لسوريا الذي سيقود بالتأكيد لتحسين كلّ نواحي الحياة المعيشيّة الصعبة”.

ويعدّ “سليقة” أن تغاضيَ المتظاهرين اليوم عن المطالب الاقتصادية بشعاراتهم “دليلٌ قاطعٌ بأنّ المعاناة السياسيّة من تسلط واستبداد وقمع ونهب خيرات وموارد البلد من قبل هذه السلطة، هي المسبب الأساسيّ لما نعانيه من ضائقة اقتصاديّة ومعيشيّة”.

ويرى بأنَّ هذا الوعي الشعبيّ دليلٌ على أنَّ الشارع “حدد الأسباب والمسبب لما وصل إليه من فقر ولم يعد ينطلي عليه ما يروّجه إعلام النظام الكاذب من فكرة أنَّ مؤامرة كونيّة والحصار هو وراء ذلك”.

مدلولات سياسيّة للحراك

وكان لتزامن الاحتجاجات بين درعا والسويداء، مدلولٌ سياسيّ واحد، بحسب السياسي، وهو “الخلاص من الاستبداد وبناء سوريا التي ننشد، بتعاضد وتكاتف جناحي الجنوب السهل والجبل وحثّ كافة المحافظات للمؤازرةِ بقلبٍ واحدٍ”.

ومن وجهة نظره أنَّ كل تأكيد وعودة الشعب للمطالبة بحقوقه عبر هذه المظاهرات “سيحد من حجم التدخل الدوليّ ويلزمه أدبياً وأخلاقيّاً بضرورة تبني مطالب ورغبات الشعب المحقّة في بناء دولته المنشودة

الاحتجاجات ليست حالة طارئة في محافظة درعا، والحراك الشعبيّ فيها مستمرٌ، رغم بسط سيطرة النظام والتضييق الأمني على السكان إلا أنَّ الاضرابات والاحتجاجات مازالت مستمرة”.

الصحفيّ والباحث حسام البرم المقيم في فرنسا، قال لوكالة نورث برس، إنَّ إضراب درعا له دلالته السياسيّة أو رمزيته الخاصة، وقد بدأ لمساندةِ محافظة السويداء في حراكها السلميّ القائم حالياً. وشدد “البرم” على أنّه يجب أن تتحول هذا الاضرابات والمظاهرات إلى مظاهرة بكامل المحافظة، ولا نستثني محافظة القنيطرة، ليكونَ الحراك السلميّ ممتداً من القنيطرة إلى درعا ثم السويداء”. وأعرب عن اعتقاده أنّ الانعكاساتِ السياسيّة في حال استمرار الحراك السلميّ “ستشمل انشقاق عدد كبير في صفوف النظام السوريّ، فمؤيدوه ليسوا بأفضل حالاً من المعارضين له”.

وشدد على أنَّ هذا الحراك في حال استمر وتوسع “قد يؤدّي إلى حل شامل عبر إجبار رأس السلطة على التنحّي من المشهدِ وخلق توازنات جديدة تفرض في المشهد السياسيّ”.

يقول ناشط مشارك في الحراك السلميّ في درعا (لم يكشف عن اسمه)، إنّ الحراك السلميّ في محافظة درعا بدأ بالتوسّع إلى قرى وبلدات جديدة. وأردف أنّ المحتجين يطالبون بإسقاط “النظام” الذي كان سبباً في تدهور الوضع الاقتصاديّ والمعيشيّ في سوريا. وبيّن الناشط أنَّ “ضباطاً في الأجهزة الأمنية تواصلوا مع وجهاء من بعض البلدات من أجل العمل على إفشال الإضراب وعدم خروج المظاهرات، لكنهم لم ينجحوا في ذلك”. ولم يستبعد الناشط، اتساع رقعة الاحتجاج وأن تنضمَّ محافظاتٌ أخرى إلى الإضراب والحراك السلميّ، وبخاصة في مناطق الساحل السوريّ، وريف دمشق.

احتجاجاتٌ ليليّة وكتابات على الجدران

تشهد محافظة درعا وريفها احتجاجاتٍ مستمرة منذ نهاية الأسبوع الماضي، ومنذ انطلاق الحراك الشعبي سُجل حتى الآن خروج التظاهر في 19 نقطة موزعة في ريف المحافظة. ويوم الثلاثاء دعا ناشطون إلى مواصلة الاحتجاجاتِ المناهضة للحكومة في مدن وبلدات المحافظة.

في بلدة صيدا في ريف محافظة درعا الشرقيّ، انضمَّ الأهالي لحركة الاحتجاج ومساء أمس الثلاثاء 22/8/2023 خرج العشراتِ من سكان البلدة في تظاهرة احتجاجيّة مناهضة للحكومة وكانوا صدى مباشر لمطلب “إسقاط النظام”. وفي سياق ذي صلةٍ بالاحتجاج كتب ناشطون عبارات مناهضة للحكومة على الجدران في بلدة السهوة بريف درعا الشرقي. وطالبوا من خلال كتاباتهم برحيل “النظام” مؤكدين الاستمرار بالاحتجاج. وتجمع المحتجون عند مفرق الغارية وسط البلدة رافعين “علم الثورة”. ورددوا شعارات تطالب بالحرية والكرامة. والمشهد لم يختلف في بلدة تل شهاب بريف درعا الغربي

وكان العشرات من أهالي مدينة قد تجمعوا مساء الإثنين في ساحة الدلة في احتجاجٍ مناهض للحكومة”. وأفادت مصادر محليّة أنّ عناصر الأمن العسكريّ التابع للقوات الحكوميّة أطلقت النار من مفرزة الأمن العسكري أثناء تجمع المحتجين”.

وبعد انتهاء الاحتجاج اندلع اشتباكٌ بين مسلحين مجهولين، وعناصر القوات الحكوميّة الموجودين في مفرزة الأمن العسكريّ. كما أطلقت القوات الحكوميّة قذيفتي هاون على أطراف مدينة نوى ولم تُسجل أيّة أضرارٍ ماديّة أو بشريّة.

وفي سياق الاحتجاجات خرج العشرات من سكان بلدة اليادودة بريف درعا الغربي في احتجاج مناهض للحكومة السوريّة، ورددوا شعارات تنادي” بإسقاط النظام” والإفراج الفوريّ عن المعتقلين. وقام ناشطون في بلدة معربة بريف درعا الشرقيّ بتوزيع منشورات كتب عليها عبارات مناهضة للحكومة.

يوم العلم الروسيّ في دمشق

في وقت كان مرجل الاحتجاج يغلي جنوب سوريا، شهدت ساحة الأمويين في مدينة دمشق الثلاثاء فعاليات الاحتفال بيوم العلم الروسيّ، ووجّهت حكومة دمشق الفعاليات والمنظمات والاتحادات التابعة لها، للمشاركة بالمناسبة. إلا أنّ المشاركة كانت متدينة رغم التوجيهات الصارمة بالمشاركة بحشودٍ كبيرةٍ، كما جاء الاحتفال في ظروف الحرارة المرتفعة التي تشهدها البلاد هذه الفترة.

من جهة ثانية يعتقد البعض أنّ الحليف الروسيّ خذلهم في محنتهم التي يعيشونها اليوم، وأن تدخل في الشأن السوريّ وفقاً لمقتضيات مصلحته فقط، وكان سبباً مباشراً في إطالة عمر الأزمة. فيما يبدي البعض حساسيّة إزاء رفع علم دولة أخرى استولت على مقدرات بلده، وليطرح السؤال هل روسيا الدولة الغنية بالغاز والنفط حليفة فعلاً لنا؟

المفارقة أنّ مناسبة الاحتفال بيوم العلم الروسيّ، تزامنت مع احتجاجات شعبيّة مناهضة للحكومة ترفع فيها أعلام مختلفة، بل إنّ سوريا ومنذ بداية الأزمة شهدت رفع العديد من الأعلام!