في القلب غصة

مثنى عبد الكريم

يروى أيها القراء الكرام أنه كان هناك وطن وليس كأي الأوطان, وطن فتح ذراعيه ليحتضن كل من لاذ به وسكن إليه وفيه

وطن كان الياسمين فيه يعانق الشمس شموخاً والجلنار تعانق الجبال إباءً وضحكات الأطفال ترسم ضوء القمر على رسالة عاشق خطّها بيده ليضع عليها بضع قطرات من عطر الشوق, وطن كان جميع من فيه أحبة وجلهم قديسين ولكن وفي يوم اشتد فيه السواد وبكت السماء دماءً افترق الأحبة ومات القديسون وهاجرت طيور السلام أرضها لتصبح غريبة في كل مكان حيث حلت وحيث سارت لتموت آلاف المرات بين مرارة الغربة وكراهية طعم الذل وأين !!! وبين من ؟؟؟

بين من كانت تحتضنهم شقائق النعمان، بين من كانت تحيط بهم أشجار الزيتون ليحتسوا خمر الحب، بين من كانت أشجار الغرب على نهر الفرات تروي للطيور قصص عشقهم، ليعاملوا من ترك هذا الوطن بأبشع الوسائل وليكونوا أصحاب الوطن المسكين الذي يحتضن ذرات ترابه ليبكيهم آلماً وحزناً وكمداً هذا الوطن كان سوريا أيها القُرّاء الكرام؛ أرض المحبة أرض السلام والياسمين، الوطن الذي احتضن آلام الغير بحنان وعطف وتسامح شعبه ليتقاسم الشعب مع من جائهم زائراً لقمة عيشه وهو يبتسم بل ليعطيهم كل شيء حتى لا يشعروا بغربة وهم يقولون لضيوفهم أنها أرضكم ونحن أهلكم فلا تحزنوا ولا تيأسوا ولكن ماذا بعد !!!!!

يُقتل سوري في لبنان لأنه جاء يطالب بحق أجرة عمله التي قد تسد آجار بيته وبعض من رمق أهله وعائلته وبست رصاصات حقد وكراهية ويقف العالم ليرى جرح قدم فنانة مشهورة تعزيها أخرى بجرح قدمها متناسية جرح أهل المغدور المسكين وكأنه أصبح من حق كل من احتضنه هذا الوطن يوماً أن يكافئ شعبه المضياف بأقداح الكره والحقد الدفين.

لقد نسينا كسوريين أنه من أصبح عدوك اليوم وكان صديقاً بالأمس هو بالأصل لم يكن صديق بل عدو متخفي، حيث وقفت جميع وسائل الإعلام لتصور رجل الفنانة المصدومة وليخرج القاتل بثوب البطل والمدافع الشرس ولتعود الصرخات مطالبة بإخراج السوريين من لبنان هنا يحضرني سؤال: ترى لو كان وطنهم الجريح قد شُفيَ من جراحه هل سيتحملون لسعات الذل من عقارب الغربة ؟!!

إننا يا سادة سوريون ولنا الفخر وأقرئوا تاريخنا جيداً إننا أبناء الشمس. شربنا تضحية كاوا الحداد وشهامة عمر وحكمة علي ونقاء زرداشت، إننا أهل الكرامة ومعنى الضيافة والكرم والإباء.

ونقولها لكم ولجميع المتاجرين بقضيتنا … لقد اقتربت ساعة عودة كل السوريين وبرأس مرفوع وبعنفوان وسنذكر كل ما قدمتوه من خير أو شر ولكن تذكروا بأننا نسامح ولا ننسى وأن حكايات الغربة القميئة سنحكيها لأطفالنا جيلاً بعد جيل، وستبقى أبوابنا مشرّعة لكم وقلوبنا وصدورنا وسنحميكم ولن نذيقكم ما أذقتمونا من سم بل سترون أن سوريا بكردها وعربها وأرمنها وشركسها وسريانها وآشورها وسنتها وشيعتها وكل مكوناتها وأطيافها أرض السلام والتسامح ولكن في القلب غصة … تحكي دائماً حكاية وطن.