فلسفة الصراع في تاريخ الإنسان

حسين دلف_

الصراع ظاهرة وجدت مع الإنسان منذ الأزل، فالإنسان يعيش حياته بسلسلة صراعات لا تنتهي، الصراع على السلطة والمال والدين، الصراع من أجل كسب الامتيازات، أو لأجل القيمة الاجتماعية، فالإنسان يصارع أخيه الإنسان، يصارع الطبيعة من أجل الحصول على كل ما سبق، والأقوى هو الذي يتحكم بزمام الأمور، ويفرض مبادئه، وقيمه على الطرف الآخر، ويبدأ بصراع جديد مع طرف جديد ينافسه على الامتيازات، التي حصل عليها سرعان ما تنتهي بخسارته، وتبدأ حقبة جديدة، أو ينتصر، ويبدأ برحلة صراع جديد للحصول على المزيد من الامتيازات والمزيد من السلطة.

الصراع ظاهرة فردية، وجماعية بالوقت نفسه، على الرغم من ذلك فإن الصراعات الفردية والجماعية مرتبطة ببعضها البعض، فالثقافة الاجتماعية السائدة بين الأفراد، ومجموعة القيم والمبادئ الاجتماعية، التي يؤمن بها الأفراد، ونوعية الصراعات السائدة بين أفراد المجتمع تؤثر وتشكل النواة الرئيسة لفكر النظام السياسي، والسلطة الحاكمة وطريقة تعامله مع الأنظمة السياسية الأخرى في العالم، التي بدورها تصدر الصراعات الداخلية بين الأفراد والجماعات الصغيرة داخل المجتمع إلى خارج حدودها في سبيل كسب المزيد من الامتيازات السياسية والاقتصادية، وامتلاك المزيد من السلطة ضمن منظومة الدول ولتظهر نفسها بأنها تهدف دائما إلى تلبية رغبات وطموحات الشعب

ومن الأشياء التي تدعو إلى الفخر، أن المجتمع الكردي حتى في زمن قوته عبر التاريخ، نادرا ما كان يتوجه إلى صراع خارجي مع جيرانه، أو مع الدول الأخرى، التي كانت قائمة في ذلك الزمان، وذلك نتيجة الاكتفاء الذاتي، الذي كانت تتمتع به تلك الإمبراطوريات بسبب الطبيعة الجغرافية الغنية، بكافة مواردها، فأغلب الحروب الكردية كانت –وما زالت- دفاعاً عن النفس ورد للعدوان، الذي تتعرض له.

 ويعدّ الصراع الدولي أسوء أشكال الصراع؛ لأنه يؤثر على حياة المدنيين، وعلى البنية التحتية للدول بشكل مباشر ودائما تطول الفترة الزمنية للصراع.

سابقا كانت الصراعات بسيطة بحيث تكون ضمن حيز جغرافي صغير، لا تتعدى أن تكون صراعات عشائرية قبلية على موارد المياه، والكلأ في البادية، وحتى نوعية الأسلحة المستخدمة كانت بدائية تعتمد على القوى العضلية للأفراد، وعلى العدد والعدة.

 أما في عصر الحداثة الرأسمالية والتطور التكنولوجي، ووجود الأسلحة الثقيلة، والنووية، فإن أي صراع بين نظامين مختلفين بات يهدد البشرية كلها، وتدخل كل دول العالم، وجميع الشعوب في حالة من الخوف والهلع، من تطور الحرب وامتدادها إلى دول أخرى حليفة لأطراف النزاع والوصول إلى استخدام الأسلحة النووية والكيميائية، التي تقضي وتنهي الحياة في مدن ومناطق كاملة، ويبقى تأثير مثل هذا النوع من الأسلحة إلى أجيال لاحقة، مثلما حدث في مدينتي هيروشيما وناغازاكي في اليابان وحادثة مفاعل تشرنوبيل.

إضافة إلى ذلك غياب القيم والضوابط الأخلاقية في الحروب الحديثة، على عكس الحروب في المجتمعات البدائية، وخير مثال على ذلك غياب الضوابط الأخلاقية عن الحرب المستمرة ضد الكرد، والقمع والبطش التي تجابه به الثورات الكردية على يد الدول المحتلة لكردستان.

 وما نشهده اليوم من هجمات وقصف مستمر من جانب دولة الاحتلال التركي، ومرتزقته على باشور وروج آفا كردستان، إلا امتداد لتاريخ كامل من البطش، والإجرام بحق الكرد وكردستان في ظل صمت مخزٍ وجبان للدول العظمى، التي تدّعي أنها راعية القيم والمبادئ الإنسانية والداعمة للفكر الديمقراطي الحر حسب قولها.

في حين أن الأمم المتحدة بهيئاتها كافة، تكتفي بدور المتفرج، الذي لا حول له ولا قوة وحدث ذلك مرارا مع ثورات الشعوب، والأمثلة كثيرة ـثورة الشعب الجزائري ضد فرنسا وتقديمه أكثر من مليون ونصف شهيد – ثورة شعب فلسطين المستمرة حتى الآن وتعرضه لأقسى عمليات الاضطهاد، والمجازر على يد العصابات الصهيونية المدعومة من الدول العظمى حتى الآن.

دائما وابدًا تبقى الشعوب، والأمم تصارع من أجل بقائها، والحفاظ على تراثها وتاريخها والجغرافية التي وجدت عليها (الوطن) وفي المقابل نرى الأنظمة والسلطة تمارس العدوان والظلم من أجل كسب خيرات وثروات الشعوب والأمم ونهبها، والتي في الأساس هي ليست لها.

إن الأمة التي تنتهج نهج المقاومة، والتي تتمسك بالهوية، وبالأرض حتما ستنتصر، ولو بعد حين، فالصراعات لن تنتهي، وستبقى ما دامت الدول العظمى تصدر أزماتها الداخلية على شكل حروب إلى خارج حدودها؛ لذلك يتوجب على الأمم المؤمنة بوجودها، أن تقاوم وتصد كل محاولة محو وجودها، وأن تثبت نفسها، وتحافظ على مكتسباتها.