سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

عودة الأفغانيات إلى المدارس… فرحة لم تتحقق

لا أمل من الجماعات المتطرفة في إدارة الشأن السياسي، والاجتماعي للشعوب، فهي دائماً تغلق أفق الحياة في وجه الناس، وتقتل أملهم في الحرية، ومثال ذلك حركة طالبان، التي عادت بتصريحات وعدت فيها احترام حقوق الإنسان، وفي أول يوم من العودة المدرسية، تطرد الطالبات من مدارسهن؛ ليعدن باكيات على أملهن العاثر.
أمرت حركة طالبان بإغلاق المدارس الثانوية للفتيات في أفغانستان، الأربعاء 23/3/2022م بعد ساعات من إعادة فتحها بمناسبة العودة المدرسية، كما أكد مسؤول، ما أثار ارتباكاً، وحسرة بسبب عودة الجماعة المتشددة عن تصريحات سابقة لها، تفيد بأنها ستحترم حقوق الإنسان.
وصرّح الناطق باسم الحركة إنعام الله سمنكاني: “نعم هذا صحيح”، مؤكداً بذلك معلومات، أفادت عودة الطالبات إلى منازلهنّ.
وفيما لم يشرح سمنكاني الأسباب وراء ذلك القرار، قال الناطق باسم وزارة التربية عزيز أحمد ريان: “ليس مسموحاً لنا التعليق على هذا الموضوع”.
وقال مدرسون، وطالبات من ثلاث مدارس ثانوية في العاصمة كابول، إن الفتيات توجهن والسعادة تغمرهن إلى المدارس صباح الأربعاء، ليجدن في انتظارهن أوامر بالعودة مجدداً إلى المنازل، وأضافوا أن العديد منهن أجهشن بالبكاء.
ودخل مدرس إلى صفّ في مدرسة زارغونا الثانوية للبنات، وأمر التلميذات بالعودة إلى منازلهنّ، فأغلقنَ كتبهنّ، ولملمنَ أغراضهنّ، وغادرنَ، وهنّ باكيات.
وقالت طالبة لم تذكر اسمها لأسباب أمنية: “شعرنا جميعاً بخيبة أمل، وانتابتنا حالة من اليأس التام، عندما أخبرتنا المديرة بالنبأ، وكانت تبكي أيضاً”.
وأكدت بالواشا وهي مدرّسة في ثانوية عمرة خان للبنات في كابول قائلة: “أرى تلميذاتي يبكين، ويترددن في مغادرة الصفوف الدراسية”، مضيفة: “من المؤلم جداً رؤية التلميذات يبكين”.
ووصفت مبعوثة الأمم المتحدة ديبورا لاينز التقارير حول إغلاق المدارس، بأنها “مقلقة”، وكتبت على تويتر: “إذا كان ذلك صحيحاً، ما الذي قد يكون السبب؟”

“أملك جسداً بلا حياة”
وعندما أعادت طالبان السيطرة على البلاد في آب الماضي، أُغلقت المدارس بسبب جائحة كوفيد، لكن لم يسمح إلا للفتيان والفتيات الصغيرات، باستئناف الدراسة بعد شهرين، حينها لجأت بعض الفتيات للالتحاق بمدرسة سرية خاصة، تم تأسيسها في قبو تحت الأرض، تدرسهن نورية، التي كانت طالبة في علوم الكمبيوتر في جامعة كابول.
وقالت نورية آنذاك: إنها أرادت أن تصبح مبرمجة كمبيوتر، بيد أنّ حلمها تحطم الآن، مضيفة: “أشعر أنني أمتلك جسداً، ولكنني لست على قيد الحياة”، وتأمل أن تنتهي “الأيام المظلمة” قريباً.
إقامة مدرسة سرية في ظل بطش طالبان، لم تكن مهمة سهلة، ولكن العديد من الأهالي مصممون على تعليم بناتهم ومستعدون للمجازفة.
وتسلك الطالبات طرقاً مختلفة للوصول إلى المدرسة، والانضمام إلى فصولهن الدراسية، في أوقات مختلفة من اليوم، حتى لا تلاحظهن السلطات، كما أنّ الصف لا يحتوي على طاولات دراسية أو مقاعد؛ تجلس الفتيات على الأرض وهمهن التعلّم.
طرق مختلفة للوصول إلى المدرسة
وقالت صالحة وهو اسم مستعار: “إذا عرفت طالبان بأمر مدرستنا السرية فستعاقبنا، ولكننا لن نستسلم على الرغم من المخاطر”، وتدفع طالبات هذه المدرسة رسوماً رمزية لمعلمتهن، لكن يشكّلُ المال بالنسبة إلى نورية أمراً ثانوياً أمام رغبتها في توفير التعليم للفتيات.
وأكدت أنّ هناك العديد من العائلات في أفغانستان، تعيش في فقر مدقع، بيد أنها لا تزال ملتزمة بتعليم الفتيات، مضيفة: “لا آخذ المال من العائلات الفقيرة، فأنا أؤدي خدمة”.
وكانت هناك مخاوف من قيام طالبان بإغلاق كل المؤسسات الرسمية المخصصة لتعليم الفتيات، كما فعلت الحركة خلال حكمها الأول، الذي استمر من العام 1996 حتى 2001.
وجعل المجتمع الدولي من حق التعليم للجميع نقطة أساسية في المفاوضات حول المساعدات، والاعتراف بنظام طالبان الجديد، فيما عرضت دول ومنظمات عدة دفع رواتب الأساتذة.
ترتيبات خاصة
وكانت وزارة التربية أعلنت الأربعاء، استئناف التدريس للفتيات في محافظات عدة، باستثناء قندهار، مهد حركة طالبان، حيث يفترض أن تعيد المدارس فتح أبوابها الشهر المقبل.
وصرح المتحدث باسم الوزارة عزيز أحمد رويان: أنه يجب اتباع ترتيبات خاصة، من أجل عودة الفتيات فوق اثني عشر عاماً والمعلمات إلى المدارس.
وتشمل ترتيبات عودة الفتيات للدراسة فصل المباني المدرسية، والالتزام بارتداء الحجاب، وقيام معلمات بتدريسهن دون المعلمين.
وأضاف رويان أنه في المناطق، التي يتعذر فيها الفصل بسبب الافتقار إلى المباني المناسبة، سوف يتم فصل أوقات الدراسة للبنين والبنات.
وبعد أن أعادت العديد من المدارس فتح أبوابها في العاصمة، وأماكن أخرى من بينها هرات، وبانشير، قالت لطيفة همدارد مديرة إحدى الثانويات في هرات: “نرى كل التلميذات اليوم سعيدات”.
وأوضحت وزارة التعليم الأفغانية، أن إعادة فتح المدارس كان دائماً هدفاً للحكومة، وأن طالبان لا تخضع لضغوط دولية.
وقال المتحدث باسم الوزارة عزيز أحمد الثلاثاء: “نحن نقوم بذلك كجزء من مسؤوليتنا؛ لتوفير التعليم والمرافق الأخرى لتلاميذنا”.

نظام تعليمي موجّه، كما تريد طالبان، وتشتهي
وفرضت طالبان عدداً كبيراً من القيود على النساء، ومنعتهن من ممارسة العديد من الوظائف الحكومية، ومن السفر خارج مدنهن بمفردهن.
كما أوقفت الحركة المتشددة العديد من الناشطات في مجال الدفاع عن حقوق المرأة.
وحتى لو أعيد فتح المدارس تماماً، مازالت هناك حواجز تحول دون عودة الفتيات إلى التعليم، مع تشكيك العديد من العائلات في طالبان، وترددها في السماح لبناتها بالخروج.
وقال وحيد الله هاشمي، ممثل العلاقات الخارجية، والمانحين في الإدارة، التي تقودها طالبان: إن الحركة ذات الخلفيات الدينية، تخشى أن يؤدي المضي قدماً في تسجيل الفتيات بعد الصف السادس إلى تآكل قاعدتها”.
وأضاف: “لم تقرر الحركة متى أو كيف ستسمح للفتيات بالعودة إلى المدرسة؟”.
ولا يرى البعض فائدة في تعلم الفتيات، وأوضحت هيلا هيا (عشرون عاما) وهي شابة من قندهار قررت ترك المدرسة: “هؤلاء الفتيات اللواتي أنهين تعليمهن، انتهى بهن المطاف، جالسات في المنزل مع مستقبل غامض”.
ومن الشائع أن يتغيب التلاميذ الأفغان عن المدرسة، نتيجة الفقر أو الصراع، ويواصل بعضهم تلقي الدروس حتى أواخر سن المراهقة أو أوائل العشرينات.
كما أثارت منظمة هيومن رايتس ووتش مسألة السبل القليلة المتاحة أمام الفتيات لتطبيق دراستهن.
وقالت سحر فترات الباحثة المساعدة في المنظمة: “لماذا تقدمون أنتم، وعائلاتكم تضحيات من أجل الدراسة، إذ لم يكن بإمكانكم، الحصول على المهنة، التي طالما حلمتم بها؟”.
وكالات