على تخوم الحدث وفي التفاصيل…

 إبراهيم بركات (شاعر وكاتب) _

في خضم الأحداث السياسية التي تعصف بالمنطقة، وتداعياتها على العالم أجمع، وتجليات الصراع بجوانبه وخباياه كلّها، بين الدّول الكبرى، ومراكز القرار في العالم.

ووسط هذه الضبابية في المشهد ككلّ، وتدوير زوايا الصراع بين القوى المتصارعة، بين فترة وأخرى، مع كلّ حدث طارئ ومستجد.

هنا يتحتّم علينا، توخّي الحذر والدقة في التعاطي مع المشهد، عبر قراءة سياسية متقنة، وموضوعية تحاكي الواقع، بتقاطعاته وبتفاعلاته كلّها.

وفي غمرة هذا الصراع، بوطأته المثقلة على كاهل شعوب المنطقة، وتطلّعاتها وآمالها، التي تصطدم دائماً بأطماع القوى الخارجية وصراعها، وخضوع الأنظمة الحاكمة لهذه القوى.

ولعلّ أبرز وجوه هذا الصراع تتجلّى بوضوح في الأزمة، التي عصفت بسوريا منذ عشرة سنوات، وما زالت مستمرّة ولو بمنحىً آخر، بعد القضاء على مكامن الإرهاب دون الاستطاعة على اجتثاثه من جذوره، وهذا أيضا عائد لكثير من العوامل والخبايا في أدراج الدّول الكبرى الإقليمية والدولية، كورقة ضغط تستخدم وقت الضرورة والحاجة.

هنا لا بدّ من الإشارة، أنّه لم يعد خافياً على كلّ ذي بصر وبصيرة، بأن النظام التركي هو من العوامل الرئيسية لتفاقم أزمات المنطقة، ولا شك بأن الأخطر في هذا التدّخل التركي السافر هو العمل باتجاهين. الأول تدخله في الأزمة السورية بزجّه مجموعات إرهابية مسلحة دعماً وتمويلاً، مما ساهم في قتل السوريين وتدمير ما يمكن تدميره من البنى التحتية. الاتجاه الثاني: هو تدخله العسكري المباشر كقوّة احتلال بعد دحر والقضاء على المجموعات المسلحة الإرهابية، من قبل قوات سوريا الديمقراطية، ووحدات حماية الشعب في شمال وشرق سوريا، فيما بقيت المجموعات الارهابية الخاضعة له في إدلب وجوارها.

لن نأتي بجديد حين نقول: إنّ رأس النظام التركي رجب طيب أردوغان، يسعى جاهداً إعادة الروح (للعثمنة) بعد حوالي قرن من اندحارها وزوالها. لكن هذا الحلم يصطدم بكثير من العوائق والموانع، لعل أبرزها التغييرات السياسية التي حدثت على خارطة المنطقة برمتها، ناهيك عن وجود نفوذ دّول كبرى بثقلها، والأهم من هذا وذاك وعي شعوب دول المنطقة، التي باتت ترفض عودة الهيمنة التركية عليها.

لكن يبقى للشعب الكرديّ وجوده وموقعه اللافت في هذه الموقعة الصاخبة، وهذا المشهد الذي بات مرهقاً لحلم أردوغان ومطامحه.

لعل من أعقد القضايا التي تؤرّق النظام التركي ورأس هرمه، هي الوجود الكردي على هذا الكوكب، وأدراكه بمدى ثقل وفعالية هذا الوجود خاصة منذ العقد الأخير ومع بروز اسم “روج آفا” في شمال سوريا وعلى تخوم تركيا فشل أردوغان في القضاء على هذه الصحوة الكردية وبروزها بين دمار الذي أصاب سوريا، هذه الصحوة التي تجلّت في كبح جماح المجموعات الإرهابية، والقضاء عليها وتالياً الحفاظ على أمن مناطقها، ثم إعلانها الإدارة الذاتية وما تبعها من الأحداث والمنعطفات التي مرّت على سوريا وشمالها الشرقي.

إنّ الحرب الدبلوماسية التي يمارسها النظام التركي ضد الكرد في شمال وشرق سوريا هي أشد ضراوة من المعارك الحربية على الأرض، وخاصة بعدما باتت مقاومة روج آفا، تحظى بدعم احترام العالم الحر، وغدت أمثولة لنضال الشعوب في مواجهة الغطرسة والاستبداد.

لذلك تعمل تركيا بكل ما أوتيت لها من القوّة؛ لرفض ومنع مشاركة ممثلي مجلس سوريا الديمقراطية والإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، في المفاوضات، أو المباحثات، الهادفة لوضع حد للمقتلة السورية، بمختلف الذرائع والحجج والادعاء بوجود حزب العمال الكردستاني في روج آفا، في حين يبتزّ أردوغان الدّول الأوروبية بورقة اللاجئين السوريين على أراضيها، مما يؤدي إلى ضخ ملايين من الدولارات للخزينة التركية، التي تعاني بالأساس من العجز والتضخّم، مع تفاقم الأزمات الداخلية لهذا النظام، الذي بات وبالاً ليس على شعوب المنطقة شرق الأوسط فقط بل على العالم برمّته.

من جهة أخرى، لا يعوّل على المعسكر المناهض لأردوغان وسياساته داخل تركيا، فلم تبدِ المعارضة التركية إي انفتاح على الدّول والشعوب المنطقة، ولا تمتلك أية رؤية واقعية تتعلق بحل القضية الكردية في داخل تركيا، والتي بحل هذه القضية تكون تركيا، قد وضعت المدماك الاساسي للاستقرار الداخلي والخروج من هذا النفق المظلم الذي باتت تركيا تتخبّط فيه نتيجة سياسات الأنظمة المتعاقبة على سدة الحكم فيها.

إنّ اللحظة التاريخية باتت متاحة للشعب الكردي وحركته السياسية لتلقف هذه اللحظة والعمل بمقتضاها لانتزاع الحقوق المشروعة للشعب الكردي، وضرورة إيجاد آليات نضالية تتماهى مع متطلبات المرحلة.