سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

عقلية النظامِ الديكتاتوريةُ سببُ رفضِهِ لأيِّ حوارٍ سياسيٍّ

حسين دلف_

في 31 كانون الثاني عام 2011 بعد اندلاع الثورة التونسية والمصرية، أجرت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية مقابلة مطولة مع رئيس النظام السوري بشار الأسد، وبطبيعة الحال كان السؤال الأول في المقابلة: ما الذي يعنيه الربيع العربي فيما يتعلق بسوريا؟ وبكل ثقة، وبأسلوبه المنمق المعتاد، أجاب الأسد: “يعني أن عليك تطوير نفسك، وتطوير المجتمع… وإن الإصلاح الحقيقي يبدأ بجعل المجتمع منفتحا، والحوار مفتوحا للجميع، لقد مررنا بظروف أكثر صعوبة، لكننا ما زلنا مستقرين، لماذا؟ لأننا مرتبطون عن كثب بمعتقدات شعبنا”، وحين سُئل عن أولوياته في حكم البلاد، أجاب الأسد: “إن الاقتصاد كان هو ما يشغله عند وصوله إلى السلطة، لكن أحداث الحادي عشر من أيلول، ثم غزو أفغانستان، والعراق وما خلّفاه من فوضى ودمار، جعلا الاستقرار والأمن يأتيان قبل الاقتصاد، وبعدهما يمكن أن يأتي الإصلاح السياسي، الذي لم يعدّه الأسد مهما وعاجلا بقدر سابقيْه”.
ومع اقتراب الذكرى الحادية عشر للثورة السورية، وما مرت بها سوريا من دمار، وقتل، وتشريد خلال هذه السنوات، حيث فقدت سوريا كل شيء، الأمن، والأمان، والاقتصاد، وحتى العلاقات الاجتماعية، التي كانت تربط الشعب السوري بمكوناته كافة، وفقدت بسبب الحرب الطائفية، والعقائدية، وتحول مسار الثورة من ثورة مدنية إلى ثورة دينية طائفية، وتفشي العنصرية بين صفوف المعارضة، وعلى وجه الخصوص تجاه الشعب الكردي.
فعندما اندلعت الثورة السورية، وسائل الإعلام العالمية والعربية كلها، جعلت من الثورة السورية وأحداثها مادتها الرئيسية، لكن بسبب الأوضاع المعقدة في سوريا، والحرب الطويلة، واستمرار قوة النظام، وتماسكه، وقدرته على تفتيت المعارضة، خفت وتيرة التغطية الإعلامية سواء العالمية، أو العربية على أحداث الثورة السورية، وكأنها تعبت من الحرب المعقدة في سوريا أكثر من الشعب السوري، فأشد المتشائمين لم يكن يتوقع أن تصل الثورة السورية إلى مثل هذه النقطة، ولم يكن يتوقع أحد منا هذا الكم الهائل من الدمار والهلاك، عشرات الآلاف من الشهداء والمعتقلين، ملايين السوريين مهجرين، منهم من اتجه إلى الغرب، ومنهم من لم يجد مكاناً إلا المخيمات، التي لا تحفظ لهم إلا أرواحهم من بطش النظام، ومع كل ما مر به الشعب من ظلم وقتل، وتشريد، ما زال الجميع يحلم بالوصول إلى حل للأزمة، والعودة إلى الديار، لم تعد هناك الرغبة بالحرية، أو بإسقاط النظام بقدر الرغبة في سوريا آمنة، يعمها السلام، وانتهاء الحرب القذرة، التي لم يتضرر منها إلا الشعب، هذا الشعب الذي حمل مهد الثورة على أكتافه، والذي يحمل نعشها الآن، ولا يعلم أين يدفن الأحلام والآمال كلها، التي علقها عليها.
يوم بعد الآخر تزداد صعوبة الأحوال المعيشية للسكان داخل مناطق سيطرة النظام من خلال فقدان أبسط مقومات الحياة (الماء، والكهرباء، والخبز) فالفقراء يزدادون فقرا، والطبقة الثرية الموالية للنظام تزداد ثراء، والحال في مناطق سيطرة المعارضة أسوء بكثير، يبقى أفضل مكان آمن في سوريا الآن هو شمال وشرق سوريا، فوجود هذا الأمن بفضل تضحيات أبنائها على الرغم من أشكال الحصار المفروضة على هذا الشعب، لكنه بقي صامداً، وحول بوصلة العالم اليه، وإلى تجربته في الإدارة، والمحافظة على الأمان والقدرة على الاستمرار، والنظام لم يخف يوما من وتيرة بطشه، بل زاد من حدته بعد تفكك المعارضة، وانقسامها ودخول جماعات إرهابية ضمن صفوف المعارضة، مثل جبهة النصرة، وداعش، وقيامهما بأعمال إرهابية ضد الشعب، وعلى وجه الخصوص ضد الشعب الكردي، لكن ما تزال هناك معارضة معتدلة في موقفها، داعية مثلها مثل الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا، إلى لغة الحوار السوري – السوري من أجل الوصول إلى صيغة تنهي الحرب، التي طالت، ولم تجلب إلا الويل والفقر للشعب السوري.
فانقسام المعارضة  فيما بينها، وعدم القدرة على الاتحاد في وجه النظام، أفقداها ثقة الشعب، وثقة الدول الكبرى بها، هكذا كان إثبات الأسد عندما تحدث عن الحوار، والإصلاح السياسي، حوار وإصلاح قائم على القتل والتدمير، والتهجير تطبيقا لمقولة الموالين للنظام “الأسد أو نحرق البلد ” بكل تأكيد نجحوا في حرق البلد، وتدميره، جامعة الدول العربية، ومجلس الأمن والقوى السياسية كلها، دعت وتدعو إلى الحوار بين المعارضة، والنظام في سبيل الوصول إلى صيغة سلمية للحل في سوريا، وإنهاء حالة الحرب، وفتح الطريق لعودة اللاجئين، كذلك الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا، كانت دائما داعمة للغة الحوار، بعيدا عن الحرب على الرغم من أن الإدارة الذاتية، هي أكثر الأطراف تضررا إذ انها كانت -وما زالت- تحارب على أكثر من جبهة، المعارضة والنظام كلاهما لم يتقبلا وجود إدارة ذاتية مستقلة عنهما، كل طرف يريد أن تكون الإدارة تحت عباءته، لكن الإدارة الذاتية فرضت نفسها طرفا ثابتا وقويا ومستقلا بقراره .
لكن هذه الدعوات كلها، لم تلقَ أذاناً صاغية أو موقفاً جدياً من النظام، تجاه الحوار للوصول للحل السياسي، فأول شروط النظام لبدء أي حوار، هو الاعتراف الرسمي من الجميع بالنظام وبأنه الممثل الشرعي للشعب السوري، وأن كل عملية سياسية، يجب أن تراعي استمرار سلطة البعث، والأسد، والعودة إلى سوريا ما قبل 2011 مع إمكانية إجراء بعض الإصلاحات الإدارية والسياسية البسيطة، التي لا تخدم تطلعات المعارضة ولا الشعب، فموقف النظام هذا له أسبابه، فرفض النظام لعملية الحوار السياسي نابع من موقف قوة، لأسباب عديدة منها:
– ضعف المعارضة السياسية بعد فقدانها الدعم، بسبب الانتهاكات، والإرهاب الذي مارسته المرتزقة بحق المدنيين في عفرين، وسري كانيه وغيرها من المناطق، التي تقع تحت سيطرتها.
– قوة النظام العسكرية المدعوم من روسيا وإيران، وقدرته على استعادة السيطرة على المناطق التي كانت تحت سيطرة المعارضة بالقوة، أو من خلال عملية التسويات مثلما حدث في الغوطة ودرعا وغيرها.
– إصرار النظام على أن فلسفة البعث، ومبادئه، هي الفلسفة الأفضل لإدارة سوريا وعدم قبول فلسفة أخرى غير فلسفة البعث.
– فكر النظام الديكتاتوري الرافض لكل مبادئ الحرية والعدالة والديمقراطية.
– تجاهل النظام لكل القوى المعارضة، ونعتها لكل فئة معارضة له بالإرهاب والخيانة.
فالنظام لا يتهرب من الحوار، بقدر رفضه للحوار، حتى وإن قبل بالجلوس على طاولة الحوار، فإنها ستكون بشروط مسبقة، وهي الاعتراف الرسمي من الجميع به كسلطة شرعية ممثلة للشعب، فهو يقبل بحوار يخدم استمرار سلطة البعث فقط، كذلك المعارضة فإن شرطها الأول لبدء أي عملية حوار هو تنحي الأسد.
وهنا تظهر الإدارة الذاتية في طرحها الأقرب لمصلحة الشعب السوري عموماً، فهي تدعو إلى حوار سياسي بنّاء، الهدف منه الوصول إلى صيغة تقضي بإنهاء الأزمة، ومشاركة شعوب سوريا كافة في الإدارة السياسية والمدنية، والاتفاق على إدارة سياسية تعددية، ونظام لا مركزي في إدارة البلاد، إن أي عملية حوار سياسي، يجب أن تكون مصلحة الشعب السوري، فيه هو الأهم والأساس، وأن لا تكون فقط لخدمة طرف واحد فقط، وأن يكون حواراً غير مشروط من أي طرف، وتحت رعاية السوريين فقط، بدون تدخل جهات أخرى، فقط أن تكون هناك ضمانات دولية لرعاية هذه العملية السياسية.