عزل رؤساء البلديات الكرد والتفرّد بالسلطة

 أورَبا مارك بيريني / وكالة فرات للأنباء –

تشهد تركيا حالة من الغليان بعد حملة قمعية جديدة ضد المئات من السياسيين الكرد، وإقدام حكومة أردوغان على إقالة ثلاث رؤساء بلديات كرد المنتخبين ديمقراطياً والذين يمثلون الشعب، حيث تتصاعد الاحتجاجات جنوب شرقي البلاد، أن النظام الرئاسي في تركيا يستند بالأساس إلى الوقوف ضد سيادة القانون، حيث أنه وبعد ما يقرب من تسعة عشر عامًا في السلطة، يتمتع الرئيس التركي الديكتاتوري اليوم بالسلطة المطلقة التي تتدخل بكل شاردة وواردة، ما يجعل من المشكوك فيه أن يتخلى عنها دون قتال على السلطة.

أصبح النظام الرئاسي الذي سعى إليه الفاشي رجب طيب أردوغان ثابتًا في تركيا حالياً، ولكن هناك شكوك كبيرة حول قدرته على البقاء، على الرغم من أن كل مجالات الحياة العامة أصبحت في يد أردوغان، حيث يبدو أن نظام الحكم الفردي في تركيا لا يعرف حدودًا على الرغم من تكلفته الاقتصادية ومعارضته داخل حزب العدالة والتنمية الحاكم ومعارضة المجتمع الدولي. لكن بالنسبة للأتراك الليبراليين والمراقبين الغربيين، فإن هذا الاتجاه يبدو غير مستدام تمامًا، وعدم وجود الديمقراطية لدى بعض القادة أو الأنظمة تساهم في عدم البقاء إلى الأبد.

تم إقرار التعديلات على النظام السياسي خلال الاستفتاء الدستوري الذي تمكن النظام من تمريره بالكاد وسط معارضة كبيرة في نيسان/ أبريل 2017 وبفارق بسيط جداً، ثم الانتخابات الرئاسية والتشريعية التي خاضها نظام العدالة والتنمية بمنافسة شديدة في حزيران/ يونيو 2018، وتم رفض الشكاوى والطعون المقدمة من أحزاب المعارضة بشأن مخالفات التصويت على الفور، ومضت الحكومة قُدماً في الانتخابات البلدية التي جرت في آذار/ مارس 2019، والتي قدمت إلى حد كبير كاستفتاء رئاسي نوع ما. ومن المفاجأة أن حزب العدالة والتنمية عانى من ضربة شديدة، حيث لم يخسر العديد من المدن الكبرى فحسب، ولكنه أيضًا خسر منصب رئيس بلدية إسطنبول الكبرى، الذي كان يومًا ما نقطة انطلاق لحياة أردوغان السياسية في منتصف التسعينيات من القرن الماضي.

السلطة المطلقة كان وراء سوء التقدير المطلق بإعادة انتخابات إسطنبول، والتي أدت لخسارة مزدوجة في الانتخابات التي كانت نوعاً من الاستفتاء على شعبية أردوغان ومدى بقاءه على الحكم في تركيا، كما أن البحث عن السلطة المطلقة لم يتوقف عند هذا الحد. ففي 19 آب/ أغسطس الجاري، تم عزل رؤساء البلديات المنتخبين ديمقراطياً في المناطق الكردية في ديار بكر وماردين ووان من قبل أنقرة واستعيض عنهم بمن عينتهم الحكومة، حيث كان ذلك خرقًا صارخًا للديمقراطية والديمقراطيين الذين وصفتهم سلطات أردوغان واتهتهم بالإرهاب ودعمه. وعلى ما يبدو أن معارضة المجتمع الدولي لا تهم كثيراً هنا، بل الأمر المهم هو أن قادة تركيا ما زالوا بعيدين عن تحقيق السلام مع الكرد، الذين يشكلون أكثر من عشرون بالمائة من سكان البلاد، بعد أن ألغت أنقرة عملية مصالحة في العام 2015. علاوة على ذلك، في مفهوم تركيا الحالي للحكم، لن تكون السلطة مطلقة إذا كان هناك معارضة في المجتمع المدني، وهذا هو السبب في اختفاء وسائل الإعلام المستقلة فعليًا، والمهزلة القضائية مثل محاكمة منتزه غيزي والتي لم يتم تعليقها على الرغم من الاتهامات التي لا أساس لها من الصحة تمامًا.

وهناك العديد من الخطوات التي تعكس انهيار حكم القانون في تركيا وانفراد أردوغان الفاشي بالقرار، وعلى رأسها عزل محافظ البنك المركزي، ما أدى إلى ضرب استقلالية البنك المركزي، مما دفع المستثمرين لفقدان المصداقية بالاقتصاد التركي الذي ينهار يوماً بعد يوم. ومن الأمثلة الأخرى على ذلك هو سياسة تركيا في سوريا، والتي أدت إلى الاستيلاء خلال عمليتين عسكريتين كبيرتين على مساحة كبيرة من الأرض السورية (عفرين وجرابلس والباب) مع تهديد متكرر باحتلال المزيد من الأراضي بين نهري دجلة والفرات، بما يتناقض مع القانون والمعاهدات الدولية.

 وتقول دولة الاحتلال التركية أن الدافع الرسمي لمثل هذه العمليات العسكرية محاربة الإرهاب كما تدعي، لكن الدافع المحلي لحكومة العدالة والتنمية في تركيا التشبث بالقومية والخطر على الأمن القومي، وتستخدم ورقة إعادة اللاجئين السوريين لنفس الأسباب، وتُجبر الحكومة التركية اللاجئين السوريين على العودة إلى سوريا وتستخدم ضدهم القوة في ذلك.

وبالنهاية لا يمكن العثور على أسباب يمكن أن تؤدي إلى تغيير المسار والعودة إلى مستوى لائق من سيادة القانون في تركيا، إلا بالعودة إلى الصواب، والأيام القادمة حبلى بالكثير من المفاجئات، حيث ظهرت شخصيات معارضة قوية، وبدأت تنهار منظومة حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا.