عائلة عفرينية تحدت المنظمات بمثابرتها على الشفاء

تقرير/ صلاح إيبو –

روناهي/ شهباء-انتقى العم أحمد كورو زاوية من مخيم برخدان ليُشيّد فيها ثلاث خيم ويعطيها رونقاً من الجمال كحجر صحي لعزل أفراد عائلته المصابين بالسل، بعد أن فشلت المنظمات المعنية في تنفيذ وعودها لمرض السل في الشهباء ولاسيما القاطنين في المخيمات.

أحمد كورو وعائلته المؤلفة من 9 أشخاص، كانت تقطن في الغوطة بريف دمشق ومع بدء الأزمة السورية توجهوا إلى مسقط رأسهم عفرين، وبدأوا بتأسيس حياتهم فيها، وبعد الاحتلال التركي هُجِرت العائلة التي كان أحد أفرادها “حنيفة” ذات الاثني عشر ربيعاً مُصابة بمرض السل، مع باقي أهالي عفرين إلى مقاطعة الشهباء، وقطنت العائلة في مخيم برخدان الذي شُيّد في شهر نيسان الماضي، ونتيجة عدم اهتمام المنظمات المعنية بالقطاع الصحي بمهجري عفرين وضعف الإمكانيات الذاتية، انقطعت “حنيفة” عن دوائها الخاص بمرض السل الذي كانت تتعاطاه على مدار شهرين في عفرين، مما أدى إلى عودة المرض وإصابة فردين آخرين من العائلة بهذا المرض المعدي.

أكثر من 77 إصابة بمرض السل

وبعد جهود حثيثة من قِبل المجلس الصحي في عفرين وهيئة الصحة، ونتيجة زيادة حالات الإصابة بالسل بين مُهجري عفرين؛ ضغطت هيئة الصحة على الجهات المعنية بضرورة جلب الأدوية الضرورية لمرض السل، وبالفعل مع بداية شهر أيار المنصرم دخلت أولى دفعات أدوية مرض السل مقاطعة الشهباء قادمة من حلب، وبعد أسابيع تم مسح المخيمات الأربعة المنتشرة في الشهباء وناحية شيراوا، وبموجبها تم تحديد أكثر من 77 إصابة بمرض السل منها 95% جديدة، و5% منتكسة.

 وبناءً على ما سبق وعدت المنظمات المعنية بإنشاء مخيم عزل خاص بمرض السل لتفادي انتشار المرض بين قاطني المخيمات والقرى وإحداث وباء عام، إضافةً لوعود قطعتها منظمة الأغذية الدولية بتعهدها بتقديم دعم غذائي للمرض وتوفير بعض المستلزمات الأخرى، لكن إلى اليوم لم يتوفر من كل هذه الوعود غير الدواء.

وتفادياً لتفشي عدوى السل بين أبنائه السبعة وباقي قاطني المخيم، أقدم أحمد كورو وهو في العقد الخامس من عمره على نقل خيمته وتشييد ثلاث خيم متجاورة في الزاوية الشمالية من مخيم برخدان، وبهذا عزل أولاده المصابين بالسل في خيمة (فتاتين وكناته)، والباقين في خيمة وخصص خيمة له ولزوجته وأطفاله الصغار، وأضفى كورو على الحجر الصحي الذي أنشائه بيده جمالية بحيث يلفت الأنظار، وأنشئ حديقة صغيرة أمام الخيم الثلاث.

ويقول كورو أن المنظمات التي وعدتهم بتقديم الدعم الغذائي لهم أخلفت بوعودها، وهم اليوم يعيشون مثل باقي القاطنين في المخيم، ولكن الاحتياجات الغذائية لأفراد عائلته المصابين بالمرض تختلف عن الأصحاء منهم، في ظل عدم عمل أي شخص من العائلة بعد إصابة ابنه البكر بحادث سيارة وبقائه حبيس الفراش، وبهذا باتت العائلة اليوم تعيش على المساعدات الغذائية التي تقدمها إدارة مخيم برخدان لهم فقط.

وتقول “حنيفة” بأن غالبية المنظمات تأتي إليهم وتُلتقط الصور وترصد حالتهم دون تقديم أي مساعدة، وتابعت حنيفة بالقول: “هذه المنظمات تأخذ صورنا لتشحَذ عليها، ولكن لا تقدم شيء لنا”، هذه الفتاة رغم صغر سنها باتت تعرف آلية عمل المنظمات التي التقت بهم على خلاف المسؤولين إن صح التعبير.

“حنيفة” بإصرارها غلبَتْ المرض

وكانت رئيسة هيئة الصحة السابقة في مقاطعة عفرين قد صرحت في وقتٍ سابق، بأن منظمة الصحة العالمية أطلعّت على وضع المرضى بشكلٍ ميداني وقدمت وعوداً جدية بتقديم الدعم الغذائي والدواء، ودعم المرضى بأشكالٍ أخرى، لكن لم يحدث شيء إلى اليوم، وربما تناست هذه المنظمات وعودها.

ويشير أحمد كورو إلى أن هذا المرض يحتاج إلى عناية خاصة، وهم يعملون على تعريض الأغراض الشخصية للمصابين بالمرض لأشعة الشمس بشكلٍ يومي، وبهذا هم يحرصون على الشفاء التام ومتابعة العلاج عبر تلقي الدواء وسط قلة الغذاء المخصص لهم، وبهذا يعتمد كورو على بعض المأكولات الشعبية “الدوغرما” وهي آلة يدخلها السمن والخبز المحمص والسكر، بهدف مد المريض بالطاقة، ولكن يقول كورو حتى مادة السكر التي تُقدم لنا قليلة ولا تفي احتياجات عائلتي.

ويعاني أفراد عائلة كورو رغم حرصهم على تفادي عدوى المرض لأقرانهم من قاطني المخيم من معاملة بعض الناس والإداريين، إذ تم رفض إدخالهم المدرسة ومركز الثقافة والفن إلا بعد إجراء الفحوصات الطبية اللازمة، وذلك حرصاً على سلامة أقرانهم.

ورغم كل هذه المصاعب تظل هذه العائلة مثل العديد من العائلات المماثلة مثابرة في طريق الشفاء والانخراط في المجتمع، وبعد تماثل الفتاة “حنيفة” للشفاء، انضمت إلى فريق برخدان لكرة القدم الخاص بالنساء، وتلعب حالياً مع أقرانها من الفتيات في ذلك الفريق الذي شهد أولى مبارياته قبل أيام ضمن فعاليات مهرجان “صدى عفرين”، إضافةً لمتابعة أخواتها مسيرتهم الفنية والتعليمية.