شريان الحياة؟

مصطفى بالي_

يزخر تاريخ البشرية لا بل تاريخ الكائنات الحية، بقصص وحكايات كثيرة عن الأمهات، لهفة الأمهات، قوة الأمهات واستعدادهن لفعل المستحيل من أجل فلاذات أكبادهن، هذه الغريزة التي لا تهدأ لحظة واحدة من حياة الأم حتى آخر نفسٍ تلفظه من عمرها، والأم التي تفقد ابنها/ ابنتها لا تهدأ أحزانها ونيران فؤادها حتى ترى جثة أو رفاة ابنها/ ابنتها لتهدأ وتسلّم بالأمر الواقع، هذه هي الأمومة وهذا هو شريان الحياة المستمر منذ ظهور أول خلية حية على سطح الأرض، والتي ستبقى حتى فناء الحياة، القانون الوحيد الذي لم ولن يتغير.

لا أحد يستطيع أن يلوم أُمَّاً تطالب بجثمان ابنها مهما كان شكل مطالبتها بهذا الجثمان، إلا ضيقي الآفاق معدومي الإنسانية والضمير أولئك الذين إذا اُتُّهِموا بالشرف والأخلاق وكانوا بريئين منه براءة الذئب من دم ابن يعقوب.

في الأنظمة الليبرالية، تلك التي تخضع رقاب الناس لسيف القانون الذي يحمي النظام ويسحق الإنسان، كثيراً ما نشاهد قضايا رأي عام من مثل أن لصاً تم ضبطه متلبساً بالسرقة، وعندما حاول أهل البيت الإمساك به لكموه أو لطموه فرفع اللص على ضحاياه دعوى الاعتداء عليه، فتهتم وسائل الإعلام بموضوع اللكمة متناسين كونه لص ويوجهون الرأي العام للتضامن مع اللص مغيبين لصوصيته عن التداول.

ما حدث في سيمالكا منذ أيام هو تماماً محاولة إظهار المشهد وكأن الأمهات المدججات بدموعهن وحرقة قلوبهن قد اعتدين بكل (وحشية) على المسلحين الذين يستخدمهم (الإقليم الشقيق) وهم (مسلحون عُزَّل) لا يحملون سوى فوهات البنادق التي ما وُجِّهت يوماً إلا لتهديد أو ابتزاز الأمهات الكرديات سواءً في شنكال أو روج آفا، تلك الفوهات الخرساء أصلاً أمام آهات عفرين وسري كانيه.

نتيجة محاولة الأمهات تهديد أمن (الإقليم الشقيق) أُغلِق معبر سيمالكا من قبل الأشقاء، ولسان حالهم يقول، أن لا تطالبوا بجثث أبناءكم أو سنحاصركم كما تفعل تركيا وكما تفعل سلطة دمشق، وراح ذبابهم الإلكتروني يُسمي المعبر بشريان الحياة وكأن إغلاق هذا (الشريان) سيُنهي الحياة.

مما لا شك فيه، أن هذا المعبر له رمزية حياتية لدى الكرد على ضفتي دجلة، ولعله همزة الوصل الباقية بين أبناء شعب شاءت الأقدار أن يعيش مشتتاً بين خرائط القتل الإجرام، لكنه قطعاً ما كان ولن يكون شرياناً للحياة كما يرغب البعض أن يقنعنا بطريقة فهمه للحياة، فاللذين رضعوا معاني ومفاهيم (المقاومة حياة) لن يؤمنوا في أي لحظة من سيرورة حياتهم ومقاومتهم بمقولة أولئك الذين قالوا (الحياة مقاومة) فشتان ما بين هذا وذاك وشتان ما بين المفهومين.

شريان الحياة لدى الشعوب هو الإيمان بقضاياهم وإصرارهم في النضال لنيل حقوقهم والعيش بكرامة، بينما شريان الحياة لمن ارتضوا الذل والهوان هو بعض لقيمات مغموسة بالذل والإهانة على الأبواب، أي باب، ففي الإذلال كل الأبواب سواء، أكان باب أخيك أو باب جارك، ومن ارتضى الذل طوال حياته، لن يشعر يوماً بمرارة الذل والإهانة.

شريان حياتنا في روج آفا، بوصلتنا للحياة، هو أمهات شهداءنا، وما تقرره أم الشهيد، هو الصحيح تماماً وإن قررت أم الشهيد أن ترفع نعلها في وجه المسلحين المبرقعين على الضفة الأخرى لدجلة، إذاً فهذا هو الفيصل الذي نرتهن له.