رامان آزاد
العنوانُ غريبٌ ولكنه يختصرُ قصةَ الأزمةِ السوريّةِ بكاملها. والمقصود به الاجتزاء، ومحاكمة الجزء للكلّ. منطقيّاً لا يوجدُ عملٌ أو فكرٌ مستقلٌ بشكلٍ كاملٍ، ومنفصلٌ قطعيّاً عن سياق الفكر والتاريخ والمجتمع، بل يمكنُ تصنيفُ أيّ سلوكٍ أو قرارٍ أو عملٍ إنسانيّ كبر أو صغر، ضمن أطرٍ متداخلة ينفتح أحدها على الآخر.
من نتائجِ الانقطاعِ المترسخ عبر الزمنِ إدراجُ ألفاظٍ مرادفةٍ، فالسنيّ ناصبيّ، والشيعيّ رافضيّ، والكرديّ انفصاليّ، والعلمانيّ ملحدٌ.
إسلاميّاً المذهبُ أو الطريقة منهجٌ لاتباعِ الدين (السياقِ الإسلاميّ)، والإسلام يُصنّف ضمن سياقِ الفكرِ الإنسانيّ، حيث يعتبر الإنسانُ أقدس الموجوداتِ وتجلياً بقدرةِ الخالقِ، وإرادة الخلق هي الحياة… وبذلك؛ فإنّ حفظ الحياةِ معيارُ صحّةِ أي فكرٍ إنسانيّ.
من تأتي فتاوى القتل؟ إنّها بسببِ الانقطاعِ عن السياقِ، فالوهابيّة مثلاً تعتبرِ فكرَ محمد بن عبد الوهاب سقفَ العقيدةِ وتبنّي فهمه للنصِ والتاريخِ وحجّة على الناس، ونجدُ الكتبَ زاخرةً بأحكامِ اعتبار الآخرين مرتدين وكفرة وخارجين عن الملة لأسبابٍ تفصيليّةٍ، وبادعاء كمال العقيدة والحقِّ المطلق كبرت المسافةَ التي تفصلهم عن الآخرين، وفي الفراغِ أُصدرت فتاوى القتلِ والقصاصِ والنحرِ، وبهذا ظهر منهج التكفير.
في سوريا؛ يفترضُ طرفا الصراعِ المسلحِ حيازتهما كاملَ شرائطِ الوطنيّة، وعلى الآخر التخلّي طوعاً أو كرهاً عن مطالبه ودخول بيتَ طاعته ليكونَ وطنيّاً، وشرط الحوار تخلي الآخر عن مطالبه، ثم الحوار حول الاختلافات!!!
حلّ الأزمة السوريّة يحتاجُ للسياقُ الوطنيّ الذي يأخذُ كلَّ معطياتِ التاريخِ والتنوعِ العرقيّ والدينيّ والمذهبيّ بعين الاعتبار والتعاطي مع الهوية السوريّة الجامعة، والسياق الوطنيّ تعدديّ بطبيعته وتاريخه وأديانه وعقائده ومذاهبه وتوجهاته السياسيّة، والإشكال بانقطاعِ الجزءِ عن الكلّ، ليمارسَ الوصايةَ على الآخر، ويصرُّ على اختزالِ الوطنِ بلونٍ مذهبيّ أو حزبيّ واحدٍ، وقد ثبُتَ عدم إمكانيّةِ فريقٍ واحدٍ اختزال كلّ سوريا بنفسه.
دمشق لا ترفض السياقَ الوطنيّ. لكنها؛ متمسكة بنهجها وتعتبر حزب البعث تجسيداً للحالة الوطنيّة الكليّة وتسعى للعودة لما قبل 2011، والمعارضة شعارها المظلوميّة المذهبيّةِ السنيّة، والقوميّة العربيّة قاسمٌ مشترك بينهما. ثم نسألُ عن أسبابِ استمرارِ القتلِ في سوريا وتأخرِ الحلِّ السياسيّ.
القضية تكمن بالانقطاع عن السياقِ الوطنيّ والأخلاقيّ والإنسانيّ الذي لا يجيز القتل، حيث لا يُعتبر أيّ جهدٍ في سبيلِ السلامِ وصون الحياة تنازلاً، بل انتصاراً أخلاقيّاً. ومشكلة السوريين الإصرارُ على انتصارِ الجزء على الكلِ.