حضارات حوض الخابور

 رستم عبدو-

يشكل إقليم الجزيرة (مناطق حوض الخابور) جزءاً أساسياً من ميزوبوتاميا, وتعدُّ من أغنى مناطق العالم بالتِّلال والمواقع الأثريّة.

عَرفت الجزيرة العديدَ من الحضارات الإنسانية، والتي قامت معظمها حول ضفاف الأنهار وفي السّهول. حيث اعتبرت هذه التلال إحدى أهمّ الشواهد المادية لتلك الحضارات، لما تحتويه من أوابد وصروح تظهر ثقافة المجتمعات القديمة وتنوعها.

شكّل حوض الخابور العلوي وتحديداً مثلثها أو الدلتا غير البحري كما أسماه مارك لوبو عبر تاريخها، شرياناً أساسياً، ومفتاح العقد بسبب موقعه الجيواستراتيجي كونها كانت تقع في منتصف المسافة بين الشرق والغرب والشمال والجنوب حيث المدن والممالك القديمة والتي كانت بمثابة نقطة اتّصال للتحولات الكبرى الثقافية والاقتصادية والسياسية التي روت الشرق الأدنى خلال المراحل التاريخية.

يزيد عدد التلال والمواقع الأثرية في إقليم الجزيرة عن الألف موقع وتل, هذا الكمّ الهائل من التلال كانت محلَّ أطماع الكثير من البعثات والهيئات والمنظمات العالمية التي تسابقت لدراستها، والكشف عن تاريخها وإبراز معالم حضاراتها.

بدأت أولى التنقيبات الأثرية الفعلية في الجزيرة في بدايات القرن العشرين, تحديداً في عام 1911م, على يد الدبلوماسي الألماني ماكس فون أوبنهايم، وذلك في موقع تل حلف, ثم تتالت بعدها البعثات والهيئات الأجنبية إلى المنطقة بغية التنقيب والكشف والدراسة حتى تجاوزت عددها العشرين بعثة, تراوحت ما بين البعثات الأمريكية والأوروبية واليابانية والسورية إلى جانب البعثات المشتركة, كما وصل عدد التلال المنقّبة إلى 50 تلة وأكثر.

كشفت البعثات الأثرية عن مدن وحضارات موغلة في القدم, كما كشفت عن بقايا قصور ومعابد وتماثيل ومنحوتات ونقود وأختام ورُقَم طينية وأواني فخارية، تحاكي قصص أناسٍ قدموا إلى المنطقة واستوطنوا فيها منذ الألف الثامن قبل الميلاد حتى العصور الإسلامية, مؤكدين بذلك على قِدم المنطقة وعراقتها وأهميتها من الناحيتين التاريخية والاستراتيجية.

من تلك الحضارات نذكر تل بويض الواقع على الضفة اليمنى لنهر الخابور وعلى بعد 18كم جنوب مدينة الحسكة.

يعد تل بويض من المواقع الهامة في مناطق حوض الخابور منذ فترة حسونة (الألف السادس قبل الميلاد) لدوره في عملية ربط شمال ميزوبوتاميا مع جنوبه, كما لعب دوراً مهماً خلال الفترة الآشورية الوسيطة والحديثة.

بدأت التنقيبات في الموقع بين عامي 1992-2000 من قبل بعثة سورية بإدارة الباحث أنطوان سليمان حيث كشفت التنقيبات عن بقايا أثرية ولقى منوعة تعود إلى فترات مختلفة. كما نذكر موقع تل أم قصير الواقع على الضفة اليسرى لنهر الخابور على بعد 25كم جنوب الحسكة.

يعتبر موقع أم قصير من المواقع الهامة في مناطق حوض الخابور خلال الألف الخامس والرابع قبل الميلاد وتكمن أهميته في موقعه الاستراتيجي حيث كان يشكل ممراً هاماً بين الفرات الأوسط ومناطق الأناضول بالإضافة إلى أنه كان يشكل محطة هامة على طريق القوافل التجاري القديم.

بدأ التنقيب في الموقع عام 1986 لموسم واحد من قبل بعثة أمريكية بإدارة فرانك هول ثم قامت بعد ذلك بعثة يابانية برئاسة الباحث أكيرا تسونيكي بالتنقيب في الموقع عام 1996م.