حسينة علي: حينما تغدو الأمُّ وطناً.. يثمرُ الوطنُ

قامشلو/ سوزان علي ـ

استطاعت التوازن بين أمومتها والروح الوطنية، ووضعت على عاتقها القيام بمسؤوليات جمّة، ففلحت في ذلك بترك بصمتها كأم أولاً، وامرأة ثانياً… إنها الإدارية في قسم التدريب بمديرية التربية والتعليم في مقاطعة قامشلو، الأم حسينة علي..

تكاد تلمحها أينما تسير في شوارع مدينة قامشلو، في التظاهرات، مراسم الشهداء، المحاضرات، نشاطات المدرسة، وحتى عبر البرامج التعليمية على شاشات الفضائيات، وبرفقتها “آرين”، ابنتها الصغيرة، الشقراء الجميلة، ذات الضفائر الطويلة، حتى باتت مألوفة لكل من يراها.. حسينة علي، امرأة ناجحة، وضعت على عاتقها ترك بصمتها في ثورة روج آفا؛ فكان لها ذلك، وهي ليست امرأة عادية، تعمل في مجالات عدة، بارعة في تلقي التدريبات الفكرية وكذلك التعليمية، فهي إدارية في قسم التدريب بمديرية التربية والتعليم بمقاطعة قامشلو، ومدرسة لمادة طرائق التدريس في المعاهد، وإدارية في تدريب المدرسين “الدورات الصيفية”، وعضوة حزب الاتحاد الديمقراطي، وكانت إدارية في مدرسة الجولان بمدينة قامشلو، كما خاضت تجربة “مدرسة المنزل” ونشرت الدروس الملقاة عبر اليوتيوب، وكذلك على فضائية روج آفا بتعليم الأطفال عبر الإنترنت، وقبل كل شيء هي أمّ لأربعة أولاد، استطاعت التنسيق بين أمومتها، وروحها الوطنية.

 ترى إلى أي مدى تستطيع الأمّ أن توفق بين عملها وأمومتها؟ وهل باستطاعتها تجاوز العقبات، والتغلب على الذهنية الذكورية المتفشية في المجتمع؟ وهل بناء الذات يتطلب مجهوداً إضافياً، وهل تفلح المرأة في ذلك إن أرادت؟! وحول ذلك، التقت صحيفتنا بالإدارية في قسم التدريب بمديرية التربية والتعليم في مقاطعة قامشلو حسينة علي.

تجربةٌ لم تخلُ من الصّعوباتِ

وحول تجربة مدرسة المنزل؛ تقول حسينة: “كانت تجربة مختلفة وجميلة، لم تكن تخلو من الصعوبات، حيث تكون برفقة التصوير فقط بإلقاء الدروس من دون الطلبة، وكانت ذات فائدة كبيرة للطلبة والمدرسين معاً؛ ذلك أن المدرس إن لاقى صعوبة في بعض الدروس، فسيرجع لتلك المواضيع، ويدرب نفسه بنفسه عبرها، وبإمكان الطلبة أيضاً التدريب في المنزل، والاستفادة من الدروس الملقاة، أستطيع أن أقيم التجربة أنها جيدة وناجحة”.

رسالةُ فكرٍ

الفكر ليس ككل المجالات، فهو أيقونة التوعية في المجتمع؛ هذا ما أكدته حسينة، وتابعت؛ قائلة: “القسم الآخر من عملي؛ هو إدارة قسم التدريب بمديرية التربية والتعليم في مقاطعة قامشلو، نتوقف على قسم تدريب المدرسين والطلبة معاً، ونقوم بفرز المدرسين وتوجيههم، وكذلك أقوم بإلقاء التدريبات في المجالس والكومينات، ليس فقط في حي الهلالية، وإنما في الأحياء الأخرى، إن تطلب ذلك سواء في قناة السويس، أوفي الكورنيش؛ كوني إدارية في قسم التدريب بحزب الاتحاد الديمقراطي. الفكر رسالة ينبغي تأديته على أتم وجه، فما نزرعه في قلوب الآخرين قبل عقولهم، نحصده نتاجاً نافعاً في الحياة، ولا سيما أننا ننتهج الفكر الديمقراطي الحرّ “فكر الأمة الديمقراطية” المناهض للفكر الدولتي السلطوي، ونسعى لمعرفة كل شخص لذاته، وتحررها من براثن وقيود الظلام، وبالتالي منح هذا الفكر لغيره لتسود حرية الرأي أولاً، وتحرر المجتمع ثانياً، فالمجتمع الحرّ يعتمد في أسسه على الفرد الحر، ويحتضن شعوباً حرة تأبى الخنوع والهوان”.

بين الأمومةِ والعملِ خيطٌ رفيعٌ

وحول دور الأم في الحياة عامة، وكيف باستطاعة الأم تحقيق التوازن بين الأدوار المختلفة، التي تؤديها في حياتها اليومية؛ أبدت لنا حسينة علي رأيها؛ قائلة: “لأنني أمّ؛ حملي أثقل وأصعب، وبالمسؤولية الكبيرة، تصبح الحياة أجمل، تعترضني صعوبات جمة، ولكن؛ أجتازها بروح جميلة، أنظم وقتي بين العائلة والعمل في الخارج، وأوازن بينهما بحيث أوفق بينهما، فبالعمل تستشعر المرأة ذاتها، وتشعر بالاستقلالية، ولا سيما إن كانت المرأة أماً، فالعمل أيّاً كان نوعه، يزود المرأة بالطاقة الإيجابية والكينونة، فبين الأمومة والعمل خيط رفيع من حيث المكانة والهمة، كلاهما متمم للآخر”.

من رحمِ الثورةِ خُلِقَتْ

خلقُ الصداقة بين شخصين أمر معتاد؛ أما أن تخلق الصداقة بين أمّ وطفلتها فهذا أمر مميز؛ وهذا ما نلمسه من العلاقة بين حسينة وآرين، وبهذا الصدد، تقول حسينة: “آرين منذ إن خلقت وحتى الآن لا تفارقني، كنت أحملها بين ذراعي، وأنا أتظاهر أو أحضر مراسم الشهداء، أو الاجتماعات المختلفة، ونعرف أنا وآرين كثيراً في المحيط، وآرين تُعرف باسم زهرة روج آفا، فهي ابنة الثورة، من رحمها خلقت، وأسعى جاهدة لأن تترك آرين بصمتها في الحياة، أغذيها بالفكر الحرّ، وأعلمها كيفية سلك الدرب الصحيح، والاعتماد على الذات؛ لتكون حقاً جديرة بهذا اللقب”.

ثورةُ إثراءٍ لكينونةِ المرأةِ

وأوضحت حسينة علي: أن المرأة شغلت مكانة هامة، وبشكل موسع في ثورة روج آفا، المعروفة بثورة المرأة، وبينت أن آلاف النساء الكرديات، ممن تخرجن من الجامعات والمعاهد قبل الثورة، كنَّ عاطلاتٍ عن العمل؛ ذلك أن النظام السوري لم يكن يسنح لهن الفرص للعمل؛ تبعاً لسياسة نظام البعث، أما بعد الثورة؛ فأوضحت أن آلاف النساء انضممن إلى الأعمال المختلفة، في المجالات كافة، ولا سيما لوحدات حماية المرأة، حتى غدت المرأة المناضلة، الحرة، وأصبحت نموذجاً يُحتذى به في العالم. وأكدت: “ونطمح أن تظل المرأة الكردية وكذلك المرأة العربية والسريانية والأرمنية في هذا المستوى دائماً، وأن تحقق المنجزات المختلفة، وتنتصر دائماً”.

أجراسُ القداسةِ

وأشارت حسينة إلى أن الأمومة والوطن أمران مقدسان؛ لا يكاد يفارق أحدهما الآخر، فبقدر ما يكون الوطن أماً، فالأم هي أيضاً وطن؛ تحمل في داخلها المشاعر المختلفة من حب، وأمل، ورغبة، وإرادة، وتحتضن صغارها كما يحتضن الوطن أبناءه، وأكدت على قدسيته؛ بقولها: “الوطن أجراس مقدسة، ولكي نخلص لوطننا؛ لا بدّ من السير على خطا الشهداء، بأعمالنا ومجهودنا، وأقلامنا ونشاطاتنا، ونتبع قضيتنا حتى الرمق الأخير، فإما النصر أو النصر”.

واختتمت الإدارية في قسم التدريب بمديرية التربية والتعليم في مقاطعة قامشلو حسينة علي حديثها بالقول: “نناشد الأمهات والمرأة الشابة أن ينضمّا إلى العمل، وأقول لهن: “عندما نعمل عملاً خاصاً، لا ينبغي أن نترك أعمالنا الأخرى سواء العمل المجتمعي أو التنظيمي” وأن يساهمن في هذه الثورة، فاليوم يوم الشرف والكرامة، والفرصة سانحة لنا بأن نوصل قضيتنا إلى المحافل الدولية، وأن نحقق المنجزات المختلفة، نناشد نساء شمال وشرق سوريا قاطبة، أن يتحلين بالقوة وألا يخلقن الذرائع الواهية، ليتنحَّيْن عن العمل مثل التعب، أو عدم وجود فرص عمل سانحة لهنّ، نأمل من جميع أبناء شمال وشرق سوريا، أن يزيدوا من نشاطاتهم ليصلوا لمبتغاهم”.