سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

حجرٌ واحد يهدمُ مجداً

مصطفى بالي_

(من حُسن الطالع أن الملوك/الطغاة يشتطون أحياناً وإلا لِما سقطوا)
هكذا وببساطة علينا أن نفهم مآل كل طاغية جبار، بأنه ذات لحظة مفصلية من جبروته وطغيانه سيصل إلى ذروة الشطط وسيسقط مدوياً، تاركاً خلفه عرشاً خاوياً وبلداً مدمراً وشعباً مشتتاً على دروب الزمن.
في ذروة السعار والتهديدات ومخاطر الحرب والإبادة التي تتهدد شعبنا في كل مكان، لا بد لنا بشيء من الهدوء والاتزان وبرودة الأعصاب، لنستخلص العبر والنتائج ونستشرف آفاق ومآلات هذا الصراع، وإلى أين يسير بنا المركب، وإلا فعلينا أن نتقبّل الغرق في أتون اللجة، إذ لا يفيد الصراخ بشيء لإنقاذ مركب تهدده العاصفة في عرض البحر.
بهذه السياسة التي ينتهجها الطاغية أردوغان، وبهذا الرهاب الذي تعيشه تركيا إزاء المحيط، قولاً واحداً أردوغان ذاهب إلى السقوط الحتمي، وتركيا ذاهبةً إلى المجهول، هكذا يقول منطق التاريخ وحتميته التي لا يمكن لأردوغان أو لمن لف لفه أن يغيروا مجراه قيد أنملة، المسألة مسألة وقت لا أكثر.
كل الطغاة الذين سطّر التاريخ حكاياهم، كانوا نسخة مكررة، كلهم طغوا وتجبروا، كلهم قتلوا وخربوا ودمروا، وكلهم وبنفس الغباء المتوارث، ولسبب ما لم يخطر ببالهم سقطوا، واندثروا وكأنهم كانوا نسياً منسياً، بينما الشعوب باقية ما بقيت الشمس تُشرق.
ولأن (للطغاة دائماً أوهامهم) فإنهم يعتقدون لسبب غير معلوم بأن أترابهم المدفونون في سفل صفحات التاريخ قد ارتكبوا خطأً ما، كان سبباً في سقوطهم ولذلك فسوف يتلافون تلك الأخطاء، لكي يغيروا جذر القاعدة الثابتة التي لا تتغير أبداً، لكن هيهات، فحصون الظلم جدرانها عفنة، ظاهرها القوة وجوهرها الضعف والخوف والجبن وفوبيا الزوال التي تؤرق وتقض مضاجع الظالمين.
أردوغان الذي يعيش على سعار تجييش المشاعر العدائية للأتراك ضد المحيط، يدرك تماماً أنه لم يعد لديه فرص الاستمرار من خلال بناء السلام، ولذلك فمن المستحيل أن يستثمر طاقاته في السلام، هذا الطاغية، المكرر من نسل الطغاة، وصل إلى تخومٍ ما عاد بإمكانه العودة عنها، إذ بات يدرك يقيناً أن يوماً زائداً من الحرب والقتل والدمار، السلب والنهب والتشريد، هو يوم زائد في عمره، لا يضيره إن كان ذاك اليوم متخماً بالجثث، فشهوة الجبروت تُعمي وتصم، كما أنه بالمثل يدرك تماماً، كلما ازدادت فرص السلام وخيارات الحلول اقتربت نهايته وأذن نجمه بالأفول، ولذلك بالذات يكره السلام ويكره الهدوء، تماماً كالمسعور الذي في ذروة سعاره يصاب برهاب الماء، مع أن الماء أصل الحياة، فبمجرد ما وصل المسعور لهذه الدرجة من الرهاب ندرك علمياً أنه وصل للنهاية، كذلك هم الطغاة الذين لديهم رهاب من السلام يدرك بأنه بالسلام سوف يكون زوالهم إلى الأبد.
علينا أن نتحمّل جمرة النار التي بين أصابعنا، لأنها جذوة حياتنا، دون أن ننسى أن الطاغية سيتعثر بحجرٍ ما ويسقط سقوطه الأخير المدوّي، هو برد يقيننا القادم لا محالة.