رامان آزاد_
تستمر سلطات الاحتلال التركيّ بعمليات الترحيل القسريّ للاجئين السوريين على أراضيها، باستخدام العنف وأساليب الاعتقالِ، ويتم إرغامهم على توقيع وثائق العودة الطوعيّة، ولكن مع تركيز خاص على أن تكونَ المناطق المستهدفة بالترحيلِ هي سري كانيه وتل أبيض/ كري سبي، وذلك استكمالاً لخطة الفصل الجغرافيّ وإنشاء سور ديمغرافيّ من الموالين لها على الحدودِ من الجهةِ السوريّة.
الترحيل لا يقتصر على السوريين
رحّلت السلطات التركيّة، الاثنين 18/9/2023، دفعة من 630 لاجئ سوريّ بينهم نساء وأطفال عبر معبري تل أبيض/ كري سبي وباب الهوى شمال إدلب. وتم تسليمهم إلى المجموعات المرتزقة الموالية لها. وقالت مصادر إنّ 200 لاجئ تم تسليمهم في معبر تل أبيض/ كري سبي، وتم نقلهم إلى مراكز إيواء للتحقيق معهم. فيما بقية اللاجئين وعددهم 430 فقد تم تسليمهم إلى “هيئة تحرير الشام/ جبهة النصرة سابقاً”، عبر معبر باب الهوى أيضاً بينهم نساء وأطفال.
وتتم عملية الترحيل بعد سحب كافة الثبوتيات الشخصية للمرحلين من قبل السلطات التركيّة، التي قامت بأخذ بصماتهم اليدويّة والعينية لضمان عدم رجوعهم إلى أراضيها.
يُذكر أنّ وزير الداخلية التركيّ السابق سليمان صويلو، قال في مقابلة تلفزيونيّة محليّة، في أيار 2023 إنَّ “تركيا أعدّت 13 مشروعاً تتضمّن بناء 250 ألف منزل في مناطق الباب وجرابلس سري كانيه وتل أبيض/ كري سبي لتوفير العودة الطوعيّة لمليون سوريّ.
ونقلت وكالة نورث برس عن مصادرها، أنّ عدد المُرّحلين السوريين من معابر تل أبيض/ كري سبي وباب السلامة وباب الهوى شمال سوريا تجاوز 13500 شخص خلال شهر آب الماضي، ومن المتوقع زيادة عدد المرحّلين خلال شهر أيلول الحالي. وقد تجاوز السوريين المرحلين قسريّاً من تركيا إلى الشمال السوريّ، 8000 شخص منذ بداية الشهر لحالي. ويقدّر عدد السوريين المرحلين قسراً منذ بداية العام الحالي بنحو 31 ألف شخص. وخلال حزيران الماضي تم ترحيل نحو خمسة آلاف شخص بينهم 74 عراقيّ.
ويوم الأحد رحّلت السلطات التركيّة، 480 لاجئ ترحيلاً قسريّاً بينهم 16 عراقيّاً باتجاه الشمال السوريّ عبر معبري تل أبيض/ كري سبي وباب الهوى، وتم تسليمهم إلى مجموعاتها المرتزقة في هذين المعبرين، وتم تسليم اللاجئين العراقيين ضمن دفعة من 160 شخص في معبر تل أبيض/ كري سبي.
وسبق أنّ تم نقل عراقيين إلى الأراضي السورية ففي 29/8/2023 رحلت السلطات التركيّة دفعة تضم 425 لاجئ، وتم تسليم أكثر من 160 لاجئ في معبر تل أبيض/ كري سبي، بينهم عراقيين.
وفي 2/7/2023 رحلت السلطات التركيّة مجموعة من 16 شخصاً بينهم أربعة عراقيين بينهم امرأتين من سكان محافظة الأنبار نحو الأراضي السوريّة من معبر سري كانيه. ولا يقتصر الترحيل إلى شمال سوريا على العراقيين، ففي 21/7/2023 رحّلت السلطات التركيّة، 115 شخص إلى شمال سوريا، من معبر تل أبيض/ كري سبي الحدودي مع تركيا شمال الرقة، بينهم ثلاثة أشخاص يحملون الجنسية الأفغانيّة.
زيادة معدلات الترحيل
عمليات الترحيل القسريّ تتواصل بشكلٍ يوميّ، وبمعدلات أعلى من الأشهر الماضية. وقد جرى يوم السبت 16/9/2023 ترحيل 615 لاجئ سوريّ، بينهم نساء وأطفال بينهم 175 لاجئاً عبر معبر سري كانيه والبقية إلى معبر باب الهوى شمال إدلب، بالإضافة إلى تسليم 28 محتجزاً سوريّاً تم تسليمهم في معبر تل أبيض/ كري سبي، إلى مرتزقة “الجبهة الشاميّة”، بينهم أربعة مصابين برصاص حرس الحدود التركيّ/ الجندرمة خلال محاولتهم العبور نحو تركيا، وهم بحاجة إلى العلاج، وكانوا قد اُحتجزوا لمدة عشرة أيام على الأراضي التركيّة.
يوم الجمعة 15/9/2023 رحّلت السلطات التركيّة 575 لاجئ سوريّ، وتم تسليم 190 لاجئ إلى المجموعات المرتزقة المسلحة في معبر تل أبيض/ كري سبي، ونُقلوا إلى مراكز إيواء للتحقيق معهم. فيما تم تسليم بقية المرحلين في معبر باب الهوى.
يوم الخميس 14/9/2023 رحّلت السلطات التركيّة 490 لاجئ سوريّ بشكلٍ قسريّ، تم تسليم 110 لاجئ تم إلى المجموعات المرتزقة في معبر تل أبيض/ كري سبي، ونُقلوا إلى مراكز إيواء للتحقيق معهم. فيما تم تسليم بقية المرحلين في معبر باب الهوى.
الأربعاء 13/9/2023 رحّلت السلطات التركية أكثر من 500 لاجئ سوري، تم تسليم 80 لاجئاً إلى المجموعات المرتزقة عبر معبر تل أبيض/ كري سبي، وتم نقلهم إلى مراكز إيواء حتى يتم استكمال التحقيق معهم، فيما تم تسليم بقية المُرحلين في معبر باب الهوى.
الثلاثاء 8/9/2023 تم ترحيل 600 لاجئ سوريّ تم تسليم 190 منهم إلى المجموعات المرتزقة عبر معبر تل أبيض/ كري سبي، وتم نقلهم إلى مراكز إيواء حتى يتم استكمال التحقيق معهم، فيما تم تسليم بقية المُرحّلين في معبر باب الهوى.
استكمال إنشاء جيبٍ موالٍ لأنقرة
وجود العراقيين في مدينة سري كانيه ليس جديداً، بل يسبق عمليات الترحيل القسريّ التي تقوم بها أنقرة، وهناك عدد من العائلات العراقيّة التي تقيم في المدينة منذ نهاية 2019، وهم ممن نقلتهم سلطات الاحتلال التركيّ من مخيم عين عيسى بعد العدوان على شمال سوريا في 9/10/2019، وبعض هذه العوائل مرتبطة مباشرة مع مرتزقة “داعش”. كما أنّ عدداً من العائلات العراقيّة تمكنت بالفعل من الهرب من مخيم الهول، ووصلت عبر أقنية التهريب إلى المدينة.
وقد شوهدت في المدينة بعد العدوان التركيّ عائلات عراقية ومن جنسيات أخرى، تسكن في أحياء العبرة شمال المدينة وحي زرادشت شرقها، في منازل السكان المُهَجَّرين من الكرد والعرب.
منذ أن بدأت الحكومة التركيّة حملتها ضد اللاجئين السوريين المقيمين على أراضيها، يتم إجبار السوريين الذين يُعتقلون بهدف الترحيل إلى الأراضي السوريّة التي تحتلها تركيا أو إلى مناطق سيطرة “هيئة تحرير الشام”، في إدلب على توقيع أوراق الترحيل إلى منطقتي تل أبيض/ كري سبي وسري كانيه تحديداً دون غيرهما من المناطق التي تسيطر عليها تركيا في ريف حلب وإدلب.
تفيد شهادات سوريين مُرحّلين قسراً، أنّهم أُبلغوا أنّ حق اختيار المنطقة التي سيتم نقلهم إليها، إلا أنّهم فوجئوا لدى الذهاب لتوقيع الأوراق بأنّ بوجودِ خيارين لا ثالثَ لهما إما تل أبيض/ كري سبي أو سري كانيه، وأما الخيار الثالث فهو السجن لمدة ستة أشهر. وغالباً ما يتم اختيار منطقة تل أبيض/ كري سبي.
بعدما وصلت نسبة التغيير الديمغرافيّ في عفرين المحتلة معدلات متقدمة وأضحت نسبة الكرد بالمنطقة أقل من 25%، فيما كانت تتجاوز 95% قبل العدوان والاحتلال، تمّ الانتقال بخطة الترحيل إلى منطقتي تل أبيض/ كري سبي وسري كانيه، وذلك بهدفِ كسر كامل مناطق الشريط الحدوديّ ببنيةٍ ديمغرافيّةٍ جديدةٍ، والفصل الجغرافيّ بين هذه المناطق. ومن الطبيعيّ أن من يتم إسكانه في هذه المنطقة لن يتمكنَ من الخروج منها إلى ريفي إدلب وحلب.
هذا التغيير في التركيبة السكانيّة لن يكون على حساب الكرد فقط، بل حتى العشائر العربيّة، والقول إنّ من يتم إسكانهم في المنطقة هم من العرب أيضاً، يتجاهلُ حقيقة الرغبة التركيّة بإنشاء سورٍ ديمغرافيّ من الموالين لها سياسيّاً وعقائديّاً، على حساب نموذج العيش المشترك لأهالي المنطقة الأصلاء عرباً وكرداً.
يُذكر أنّه في تشرين الأول/أكتوبر 2020 أطلق نشطاء وصحفيون مهجرون من منطقة سري كانيه حملة إلكترونيّة لمناصرة مهجري مدينتهم، بالتزامن مع اقتراب السنويّة الأولى للعدوان التركيّ على المنطقة واحتلالها. واتخذت الحملة آنذاك من عبارة “مدينة التعايش تفقد ألوانها” شعاراً لها، في إشارة إلى أنَّ مدينتهم لم تعد تجمع بين الكرد والعرب والأرمن والسريان والآشوريين والشيشان والشركس كما كانت في السابق.
إنشاء الجيب والترحيل عبر العنف
في سياق عملية إنشاء الجيب الموالي لها قادت أنقرة ثلاث هجمات احتلالية عسكريّة وشنّت العدوان على مناطق آمنة وهجّرت أهلها الأصلاء واستولى المرتزقة على الممتلكات وانتزعوها بالقوة من أصحابها، وأضحت عودة الأهالي إلى بيوتهم محفوفة بالمخاطر دونها الاعتقال والتعذيب ودفع الأموال الطائلة.
وإذ لا تكفي أعداد المنازل المستولى عليها عدد اللاجئين المزمع إعادتهم، لأنّ أنقرة وضعت أولوية تثبيت وجود المستوطنين وعوائل المرتزقة المستقدمين من باقي مناطق الصراع في سوريا بسبب مشاريع، فكانت الحاجة إلى بناء البؤر الاستيطانيّة في المناطق الخاضعة لسيطرتها عبر استدراج تمويلات من الجمعيات الإخوانيّة في دول الخليج والأراضي الفلسطينيّة والمنظمات الإسلاميّة في دول العلم عبر استغلال الشعارات الإنسانيّة. وتروّج لتلك المشاريع لتكون رافعة عودة اللاجئين السوريين. وفي عفرين وحدها تجاوز عدد مشاريع الاستيطان 25 قرية تتوزع على نواحي المنطقة، إضافةً إلى المخيمات العشوائيّة.
وتلجأ السلطات التركيّة إلى القوة والعنف في كل مراحل الترحيل القسريّ، وتبدأ بالاعتقال التعسفيّ بصرف النظر عن الوضع القانونيّ للاجئين وتشمل حتى المشمولين بالحماية المؤقتة ولديهم بطاقات (كيملك)، ويتم الاعتقال في الشوارع وأماكن العمل وحتى في ظروف مراجعة المشافي وحتى طلاب الجامعات التركيّة، ويتعرّض الأشخاص المرحلين للضرب والتعنيف ومختلف أنواع الإهانات والشتم.
وأفاد مرحّلون عن ظروف صعبة جداً في مرافق الاحتجاز اعتباراً من مركز الترحيل القسريّ في “توزلا” في مدينة إسطنبول، ومن ثم النقل إلى مراكز قريبة من الحدود في ولايات كلّس وأورفا، ولا تنتهي المعاناة بعد عبور الحدود، إذ يتم تسليمهم إلى المجموعات المرتزقة ليتم اعتقالهم مجدداً وابتزازهم ماليّاً.
وكالة نورث برس نقلت شهادات سوريين تم ترحيلهم قسراً إلى الأراضي السوريّة. وتحدّث أحد المرحلين عن اعتقاله في مركز مختلط بين النساء والرجال، لأكثر من 15 يوماً، ثم جرى نقلهم بواسطة باصات الشرطة إلى مركز الترحيل في سجن “كري كوندار” بمدينة قيصري، حيث أُحبروا على توقيع أوراق العودة الطوعيّة بالقوة. وأضاف: بقينا محتجزين في قيصري لمدة 25 يوماً، وعلى مدار تلك الأيام كانت إدارة السجن تُخرّج معظم من هو محتجز هناك على شكل دفعات إلى الغرف المخصصة للتعذيب. وتعرّضنا للتعذيب والضرب المُبرح بالهروانات وبواري حديديّة، ويتعرّض كلّ شخص للتعذيب لنصف ساعة ثم يؤخذ إلى براد شاحنة لنقل الخضار ويُوضع بداخلها لنحو ساعة ويعاد إلى الزنزانة متجمداً”.
وفي شهادة أخرى يقول مرحّل سوريّ، أنّه أثناء ذهابه مع زوجته إلى المستشفى في منطقة الفاتح بمدينة إسطنبول، واجهته دورية للشرطة تعتقل أيَّ شخص تعتقدُ أنّه سوريّ دوّن طلب هويته أو التأكد من جنسيته. فلم يحاول الهرب لأنّه يحمل بطاقة حماية مؤقتة ــ كيملك إسطنبول، ويُفترض أنّ من يحمل كيملك الولاية نفسها ويقيم فيها ألا يُعتقل، لكن ما حصل كان عكس ذلك.
وأضاف: “قام ثلاثة عناصر بإيقافي مع زوجتي وعلى الفور قاموا بربط أيدينا ووضعونا داخل السيارة برفقة العديد من الأشخاص الذين كان بعضهم أفغان وعراقيين”. وأخبرتهم زوجتي، التي تتحدث التركيّة بطلاقة، إنّنا نحمل كيملك إسطنبول ولدينا إذن عمل بها، لكن الضابط المسؤول قال لنا بالحرف الواحد: “حتى لو كنتم سوريين وتحملون الجنسية التركيّة سأقوم بترحيلكم إلى بلدكم، ولا مكان لكم بيننا”.
وتم نقله مع زوجته إلى مركز الترحيل في منطقة إسنيورت ومن هناك نقل رفقة أكثر من 150 شخصاً على متن باصات تابعة للشرطة إلى سجن “جسر الحديد” في مدينة أنطاكيا، حيث احتجز هناك لأكثر من أسبوع نقل في آخره إلى المشفى ووضع في العناية المركّزة لنحو 24 ساعة نتيجة تدهور حالة الصحيّة بسبب تعرضه للتعذيب والضرب المبرح على أيدي عناصر الشرطة. فقد كانوا يطلقون بشكلٍ يوميّ قنابل الغاز المسيّل للدموع ومادة الفلفل الحار على المحتجزين، ما تسبب له بمشاكل صحيّة كثيرة لا سيما وأنّه مريض ربو، وفي النهاية تم إجباره على توقيع أوراق الترحيل إلى منطقة تل أبيض/ كري سبي.
كل ما تسوقه أنقرة من ذرائع للتدخّلِ العسكريّ وحجّة الأمن القوميّ هي مجردُ غطاء لمشروع سياسيّ لإنشاءِ جيب على طولِ الحدود تستهدفُ الكردَ على طرفي الحدودِ، والاحتلالُ العسكريّ كان الخطوةَ الأولى، وهذا الجيب هو ما يشير إليه المسؤولون الأتراك بأرضِ الميثاق المليّ.
