جيان تولهلدان “سليلة” ثورة روج آفا

ثمّةَ مقولةٌ مشهورة تقول؛ لكلِّ امرئٍ من اسمه نصيب، أي أنّ الشخص يحمل صفاتٍ تطابقُ اسمه، هذا ما لمسنَاه في شخصيّةِ القيادية الكردية السورية في وحدات حماية المرأة، وقوات سوريا الديمقراطية جيان تولهلدان، فـاسم “جيان” يعني الحياة، و”تولهلدان” يعني الانتقام، نعم إنهما مفردتانِ لازمتا مسيرةَ هذه القياديّة الشجاعة، التي ذاع صيتها بين الجميع، من خلال النضال والكفاح، الذي خاضته في الحملات ضد مرتزقة داعش بمناطق شمال وشرق سوريا.

القيادية جيان كانت مثالَ التضحية بالذات أينما ذهبت، وتركت أثراً كبيراً وراءها، وابتسامتها، التي تمدُّ المرء بالقوة والشجاعة، جعلت منها مقاتلةً وقيادية طليعية وصاحبةَ إرادة وجرأة كبيرة في حياتها الثورية.

لم تتردّد يوماً في مهامها، قوّتها وهيبتها وسلاسة خطابها، وتألّقها في الحياة صفات جذبت جميع مَن حولها إليها، كانت مثالاً للروح الرفاقية، والمعنويات العالية والعنفوان الثوري.

لأنها عرفت أنَّ سرَّ انتصارات المقاتل الثوري هي الروحُ الرفاقية العالية في الحياة، وكانت مؤمنةً بتلك الحقيقة العميقة دائماً.

شاركت جيان في حملات خاضتها وحدات حماية الشعب لحماية المنطقة من الهجمات الخارجية، بدأت مسيرتها النضاليّةَ من حي الشيخ مقصود بمدينة حلب عام 2013، ومن هناك توجّهت إلى مدينة سري كانيه في روج آفا، وحاربت المجموعاتِ الإرهابيةَ، التي حاولت احتلال المدينة، كما شاركت في الحربِ ضد المرتزقة بمنطقة جزعة، وتُعدّ من أوائلِ المقاتلات والقياديات اللواتي هرعنَ لنجدة الشعب الإيزيدي، الذي تعرّض لأبشع هجوم إرهابي من قبل مرتزقة داعش عام 2014، وتوجهت إلى شنكال للدفاع عنهم وتحريرهم من يد داعش وإرهابه، ونقلهم إلى بر الأمان، بعد أن فتحوا ممراً آمناً لهم، لم تترك جيان تولهدان شبراً من تراب المنطقة إلا وتركت أثراً وبصمة لها فيه، فقد كانت حاضرةً في حملة جبل كزوان، وحملة تحرير الهول والشدادي ومنبج، وتوّجت نضالها بأن أصبحت القياديةَ الشاهدة على هزيمة داعش والقضاء عليه جغرافيّاً في بلدة الباغوز السورية.

ونظراً لدورِها الرياديّ والبارز في محاربةِ مرتزقة داعش، وحماية الإنسانية جمعاء من إرهابه، ومقاومتها الأسطورية التي كان لا مثيلَ لها، وتضحياتها الجسيمة وإنجازاتها العظيمة، كُرّمت في مدينة السليمانية بباشور كردستان بجائزة النصر.

نعم بعد مسيرةٍ حافلةٍ بالإنجازات والتضحيات، وسنواتٍ طويلة مليئة بالنضال والمقاومة، استشهدت القياديّةُ جيان في الثاني والعشرين من شهر تموز، في قصف طائرةٍ مسيّرة للاحتلال التركي بالقرب من مدينة قامشلو في شمال وشرق سوريا، مع رفيقتيها روج خابور، وبارين بوطان؛ في طريق عودتهن إلى نقطتهن العسكرية بعد أن شاركن في اليوم الأوّل لملتقى ثورة المرأة على مستوى الشرق الأوسط. رحلت جيان عنّا لكنها تركت ميراثاً كبيراً يطاول الجبال نضالاً وعطاءً وبطولاتٍ، وأصبحت إحدى الشموع التي تضيء الدروب لحماية كرامة المرأة والإنسانية جمعاء.

اليوم بعد أن رحلت جيان، فالعشرات من المقاتلين، الذين درّبتهم جيان سيواصلون النضال ضد أعداء الإنسانية، الذين استهدفوا القيادية جيان، والتي كان نضالها من أجل الإنسانية، وستبقى الروح العالية، التي زرعتها فيهم، وستبقى جيان شعلةَ نور تضيءُ دروب الأجيال القادمة.