قامشلو/ رشا علي ـ
من رحم ثورة روج آفا ولدت ثورة إيكولوجية في مناطق شمال وشرق سوريا، في الحفاظ على الطبيعة، وإعادة البناء، وتحقيق استراتيجية الاستعادة البيولوجية، ولمعرفة المزيد عن الوضع البيئي، الذي وصلت إليه مناطق شمال وشرق سوريا، رغم الصعوبات والعراقيل، أجرت صحيفتنا “روناهي” حواراً مع نائبة الرئاسة المشتركة لهيئة الإدارات المحلية والبيئة في شمال وشرق سوريا “ميديا بوزان”.
ـ كيف كان الوضع البيئي قبل ثورة روج آفا؟
يمكن تقسيم الفترة المارة إلى ثلاث مراحل، مرحلتين قبل ثورة روج آفا، ومرحلة في ثورة روج آفا، وتقسيم هذه المراحل، لا بدّ منها لأن البيئة ومؤثراتها ذات عملية تراكمية.
مرحلة تبدأ من عام ١٩١٨حتى عام ١٩٧٠، تميزت البيئة السورية بشكل عام بالبيئة الفطرية، حيث كانت الحياة بسيطة خالية من التعقيدات، والصناعة، والتقنيات، وكانت بلاد الشام عبارة عن مروج وغابات تحوي الكثير من الأشجار والشجيرات، والعديد من الحيوانات المفترسة، والأهلية، والغزلان، وأعداد كبيرة من أنواع الطيور.
كما تقول الأبحاث، تخللها فترة قطع الأشجار بشكل جائر، أثناء الاحتلال الفرنسي لسوريا، والإنكليزي للعراق، حيث كانت تقطع الأخشاب وتجمع في سوريا، وتباع في العراق، للاستعمار الإنكليزي؛ ما أدى إلى تجريد الكثير من الجبال والهضاب من الأشجار، التي كانت مزروعة بشكل طبيعي، كالبطم في جبل عبد العزيز، واللوز البري، والمشمش البري.
إضافةً إلى الشجيرات المتوسطة، التي كانت تملأ البادية السورية، فتحولت البادية الشامية، والتي تشمل مساحات واسعة من ضمنها بادية الجزيرة إلى بوادٍ شبه صحراوية، تنمو فيها النباتات الرعوية الحولية فقط، وأهملتها الحكومات، بما فيها حكومة دمشق حتى عام 1980.
وأصبح التعامل مع البيئة طوال هذه الفترة بشكل عفوي وثقافة تعامل محلية، بحيث كان يعرف البدوي النباتات السامة من غيرها، ويتجنب الرعي في مكان على حساب مكان آخر، أما الزراعة البيئية، فكانت على شكل زراعة قطعة من الأرض، وترك أخرى بوراً، وهذه العوامل تركت أثراً إيجابياً على البيئة، فحافظت بعض النباتات على سلالتها فترات طويلة.
وبدءاً من عام ١٩٨٠ قام عدد من دكاترة جامعة حلب، بالتفكير حول تحسين البيئة السورية بشكل عام، بما فيها أراضي شمال وشرق وغرب سورية والبادية، وقاموا بإنشاء مناطق رعوية وتقسيم البوادي، وإنشاء محميات طبيعية، وصلت في بداية عام الـ ٢٠٠٠ إلى ٦٠ محمية في سوريا بما فيها غابات اصطناعية، قسم منها دخلت في سجلات الأمم المتحدة، واليونيسيف، من حيث المساحات الكبيرة والتجهيزات، والتنوع البيئي الكبير فيها، منها على سبيل المثال غابات كرين في الرقة، وغابة جبل عبد العزيز في الحسكة، وغابات تشرين في الرقة ، والهرموشية في دير الزور.
أما في مرحلة الأزمة السورية، وبالتحديد عام ٢٠١١ حتى انطلاق ثورة روج آفا، وبالتحديد حتى إعلان الإدارة الذاتية الديمقراطية في إقليم الجزيرة “مقاطعة الجزيرة آنذاك” في 21 كانون الثاني عام ٢٠١٤، خلال هذه الفترة القصيرة، ونتيجة الفوضة العارمة وكثرت التدخلات، والحرب الهمجية ضد شعوب المنطقة، والتعامل الهمجي مع الواقع، ونتيجة كل ذلك دمرت، وقطعت، أو حرقت معظم الحدائق والغابات والمحميات، وحتى الآن لا يوجد إحصاء دقيق لعدد الأشجار والشجيرات، التي قطعت إلا أن الأرقام تقترب من ١٥٠ إلى ٢٠٠ مليون شجرة قطعت أو أحرقت، وتم إهمال المحميات، وكانت لمناطق روج آفا نصيباً من هذه الخسائر ضمن المناطق المنكوبة.
ـ ثورة روج آفا ثورة يكولوجية أيضاً، لماذا؟
ومع انطلاق الإدارة الذاتية، وإلى حين صدور القانون لحماية البيئة نهاية عام ٢٠٢٢، تم الإيعاز بمنع قطع الأشجار في الكثير من المناطق، ونشر التعليمات للحفاظ على ما تبقى من الأشجار ولو بنسب بسيطة، وزاد الاهتمام أكثر عند تشكيل البلديات، وفرق تجميع القمامة، وانتشال آلاف الأطنان من القمامة المتروكة في المدن، والبلدات التابعة للإدارة الذاتية، حيث تم تخصيص أماكن لجمع القمامة في الكثير من المناطق ودفنها، رغم صعوبة السيطرة على الوضع المختلق وهول الدمار، وكثرة النفايات، حالياً ساد الاهتمام من قبل الإدارة الذاتية بشكل أوسع عبر إرسال قانون حماية البيئة، ونظم متعلقة بالمخالفات، والغرامات المالية المتعلقة بالانتهاكات البيئية.
والقانون شامل، بدأً من قوانين تنظيم الصيد، وحتى إقامة المنشآت المدنية والصناعية، وما يتعلق بالملوثات بشكل عام، بما فيها الملوثات الإشعاعية، في ظل ظروف صعبة عسكرية أو سياسية.
وإلى جانب تشريع قانون البيئة، ونظم المخالفات، اهتمت الإدارة العامة، بإعادة ترميم العشرات من الحدائق، وإعادة الحياة فيها، من زراعة الأشجار، أو بناء الأسوار، وذلك في مناطق، ومدن روج آفا، والاهتمام حالياً ينصب نحو حماية، وترميم المحميات المتبقية، وإعادة زراعة أو حماية ما تبقى منها، وهي على طاولة الاهتمام في المرحلة القادمة، لهذا السبب تعدّ ثورة روج آفا ثورة إيكولوجية، وهي من ضمن أفكار القائد العظيم عبد الله أوجلان.
ـ ما مدى تغيير ذهنية شعوب المنطقة في إطار الحفاظ على البيئة؟ وما مدى تجاوبهم مع الحملات البيئية وقوانينها؟
إن تحقيق التغيير بالبيئة، يحتاج إلى توفير الظروف المناسبة، للإقناع بالأفكار البيئية، وحسب الموجود والمعطيات، فتغيير الذهنية الفردية والاجتماعية والمؤسساتية، لا زالت في مرحلة تردد وبدائية بسبب: أولاً حجم الكارثة البيئية، التي حلت في سوريا، ومن ضمنها روج آفا، نتيجة آلات الحرب، والدمار، والحرائق، والغازات الناتجة من النفط، وحرق الغابات وقطع الأشجار، أدى ذلك إلى صعوبات اقتصادية، وإلى خلل اجتماعي بسبب الهجرة الداخلية والخارجية، ونقص الموارد، والمراعي، وسوء التغذية، وانتفاء مصادر العيش في الكثير من المناطق والقرى، هذه العوامل كلها أدت إلى أن التفكير في البيئة آخر الأولويات في مجتمعاتنا، بسبب سوء المعيشة وقلة الوعي.
ورغم الكارثة الكبيرة، وصعوبة إقناع جيل كامل بأهمية الاهتمام بالبيئة، فإن الإدارة الذاتية، تولي أهمية قصوى للتوعية البيئية عبر مؤسساتها النظامية، ومنشوراتها، والدورات التعليمية، والندوات والمحاضرات، وبجهود عناصر وعاملي البيئة المختصين، وتعليم المدارس، كل هذه الأمور، إن وجدت، لتغيير الذهنية العامة حول الاهتمام بالبيئة، سواءً على مستوى الفرد أو الجماعات، ولجعل السلوك البيئي على شكل من الأخلاقيات العامة، وصفة حضارية للشخص، ولازلنا في بداية التجارب ولابد من تطبيق القوانين النافذة بحق المخالفات، إلى جانب التوعية ومعاقبة المسيئين للبيئة في الحياة اليومية على مستوى المعيشة، وصولاً إلى أعمال الإنشاءات والصناعات المختلفة، ومراقبة مخالفاتها.
ـ ما تأثير هجمات الاحتلال التركي على البيئة؟
من ضمن الأهداف الخبيثة للاحتلال التركي ومرتزقته المسمى (بالجيش الوطني السوري) هو: تغيير البيئة العفرينية، والقضاء على الغطاء النباتي إلى جانب جرائمه الأخرى كالقتل، والتهجير القسري، واحتلال المنازل، والتغيير الديمغرافي، وسرقة ممتلكات الأهالي وتخريب البيئة الزراعية للأهالي.
ويتبين ذلك من خلال صور الأقمار الصناعية، فقد أزيلت نسبة ٥٠ %من الأراضي المزروعة بالأشجار، أغلبها الزيتون، وأشجار حراجية وأشجار الفاكهة وأشجار أعمارها تجاوز ألف سنة، وتقدر مساحتها حتى تاريخ ما قبل الاحتلال بـ ٤٠٠ ألف هكتار تقريباً، وبناءً على هذه الصور ما بعد الاحتلال، تم جرف مساحات كبيرة بجانب الحدود عند إقامة الجدار الفاصل بعرض من ٢٠٠ إلى ٥٠٠ متر، وبطول ١٥٠كم.
أما في المناطق، التي جرفت بساتينها، واقتلعت أشجارها، بهدف بيع الأخشاب، أغلبها في منطقة جبل بالل، وجرمة، وقرية درويش، وجيا ناحية راجو، وخالتا في جندريسه، وكذلك في همام، والمروانية فوقاني وتحتاني، وامفلة، واشكان غربي، وقرمتلق، وجقلق ناحية شية، وشيخ الحديد، وكفر جنة، حيث قام الاحتلال التركي ومرتزقته بقطع الأشجار المعمرة، وشملت الأشجار المثمرة من الزيتون، وباقي أشجار الفاكهة، وإنشاء أسواق الخشاب، والتحطيب، وصناعة الفحم، والتجارة بها، وتعدُّ الجرائم، التي يقوم بها الاحتلال التركي ومرتزقته على مستوى جرائم الإبادة البيئية.
