سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

ثلاثة أرباع قرن على مقتل زعيم الإسلام السياسي

د. علي أبو الخير_

تحتفل جماعة الإخوان المسلمين بالذكرى الخامسة والسبعين على مصرع مؤسس الجامعة الإخوانية حسن البنا عام 1949، وهي الجماعة التي تأسست في شهر مارس من عام 1928، وهو العام الذي يعتبره المؤرخون ميلاداً للإسلام السياسي.
وقد انتشر فكر الجماعة في أنحاء العالم، ودخلوا في صراعات مع كل الحكومات التي عاشوا معها، سواء في مصر أو الدول العربية، ولكننا نرفض مصطلح الإسلام السياسي، كما نرفض مصطلح الأصولية، لأنها مصطلحات غربية تهدف في المقام الأول النيل من الإسلام كدين روحي إيماني تلقائي، من خلال التمييز والتفريق ثم الدمج بين الإسلام كدين، والسلوك الاستبدادي لخاطفي الدين، عبر أجواء التاريخ، بالإضافة أن جماعة الإخوان استهدفت الحكم منذ بداية التأسيس، حتى لو زعموا أنهم يستهدفون المجتمع بالتربية إلى حين الوصول إلى الحكم، فقد اعتبروا أنفسهم جماعة المسلمين وليسوا جماعة من المسلمين، كما انتقدهم الكاتب الصحفي الراحل “حسن دوح” عندما خرج من الجماعة، والموضوع يطول ونحاول الاختصار
إن تأسيس وانتشار فكر الجماعة مرتبط بالسلوك السلطاني الإسلامي الذي ساد الشعوب الإسلامية منذ تأسيس الدول الأموية، فقد تخيل المسلمون أن الخلافة من ضرورات الدين، وعندما رأوا سقوط الخلافة العثمانية عام 1924، رأوا في الجماعة امتداداً لإحياء فكرة الخلافة، ثم اعتبروا أنفسهم جماعة المسلمين الذين يمثّلون الإسلام المحمدي الممتد عبر الزمن من الصحابة والتابعين ثم خلفاء الأمويين والعباسيين والعثمانيين، وخلال الأربعة أعوام ما بين سقوط الخلافة 1924 وظهور الإخوان 1928، حدثت محاولات لمبايعة الملك المصري فؤاد الأول خليفة للمسلمين، وكذلك محاولة الملك السعودي عبد العزيز آل سعود، الذي كان يُسمّى سلطان نجد والحجاز خطف لقلب الخلافة، إلا أن تجاوز الزمن للفكرة ذاتها أبطلها، ثم صُدر كتاب “الإسلام وأصول الحكم” للشيخ الأزهري على عبد الرازق عام 1925 ليضرب فكرة عودة الخلافة على أرض الواقع في مقتل.
ولكن القلوب الإسلامية ظلت مشتاقة للخلافة الواحدة والبيعة الواحدة، رغم مظاهر عدم المبالاة بمن يحققها، ولعب من ثمّ الإخوان المسلمين على ذلك الوتر الحسّاس، ولكن المجتمع المصري كان يعيش في نفس الوقت فترة الليبرالية، بزعامة حزب الوفد التاريخي بقيادة الزعيم مصطفى النحاس، وشعبية النحاس الطاغية جعلت المظاهرات تخرج وتقول “الشعب مع النحّاس”، وعندما غضب الملك فاروق، أخرج الشيخ حسن البنا مظاهرات تقول “الله مع الملك”، وخرج المرشد الثاني للجماعة “حسن الهضيبي” بعد لقائه بالملك فاروق قائلاً: “لقاء كريم مع ملك كريم”، أي أنهم عادوا للفكر السلطاني الذي مارسه الخلفاء والسلاطين والأمراء عبر تاريخ المسلمين، وكانت بداية تورط الإخوان في السياسة، والعودة لتقاليد الاغتيال السياسي فتورطوا في قتل رئيس الوزراء أحمد ماهر عام 1945، ثم تورطوا في قتل القاضي أحمد الخازندار أول عام 1948، وفي عام 2013 حاول أعضاء من الجماعة اقتحام محكمة “باب الخلق” في القاهرة لسرقة أوراق قضية الخازندار التي مازالت مستنداتها فيها، ولكنهم فشلوا في ذلك، كما تورط الإخوان في قتل رئيس الوزراء الثاني محمود فهمي النقراشي في ديسمبر 1948.
وكانت النتيجة مقتل المرشد الأول حسن البنا في شهر فبراير 1949، ثم دخلوا في صراعات بعد التحالفات مع ضباط ثورة يوليو 1952، وحاولوا اغتيال الرئيس جمال عبد الناصر في الإسكندرية عام 1954، ودخلوا السجون وأفرج عنهم عام 1964، ولكنهم عادوا إليه مرةً أخرى في نفس العام وأُعدم سيد قطب مع محمد هواش وعبد الفتاح إسماعيل ثم أخرجهم الرئيس أنور السادات عام 1976 وندم، ولكنهم ساهموا في اغتياله عام 1981
وما بين العامين 1954 و1964 ومن داخل مستشفى السجن، ألّف “سيد قطب” كتابه الخطير “معالم في الطريق”، الذي أضحى الدليل إلى التكفير والقول بالمجتمع الجاهلي، واعتبر الإخوان دم سيد قطب مثل دم الإمام الحسين في كربلاء، وهيهات ما بين باحث عن السلطة، وطالب للإصلاح السلمي كما في الحالة الحسينية، ولقد قال الراحل جمال البنا الشقيق الأصغر لحسن البنا عن الجماعة “إنهم مثل أسرة البوربون في فرنسا، لا ينسون شيئاً ولا يتعلمون من شيء”، لأنهم بعد أن وصلوا للحكم عام 2012، بدأت عملية إقصاء رهيبة لكل التيارات السياسية والدينية، وظهر التكفيريون الدمويون، ودخلوا في صراعات مع القضاء والإعلاميين والشرطة والجيش، فانتهوا اجتماعياً، وإن لم ينتهوا على المستوى السياسي.
الأمر المؤكد أن الإسلام دين شامل متكامل، والسياسة القائمة على العدل هي صلب العقيدة، ولكن السياسيين والخلفاء والسلاطين منذ البداية أخذوا من الإسلام ما يحرض على طاعة الحاكم المسلم حتى لو ضرب الظهر وأخذ المال، وللدرجة التي يقول فيها أبو الحسن الماوردي في كتاب “الأحكام السلطانية”، أنه لو ظهر رجل ذو شوكة وغلبة وتمكن من قتل الخليفة القائم، ونصّب نفسه خليفة، فلا يبيتن مسلم إلا وفي عنقه بيعة للمتغلب الجديد، هذا هو فكر السياسة في تاريخ المسلمين بما فيهم جماعة الإخوان، وعندما ارتبط مفهوم الخلافة بمفهوم التدين الفردي والجماعي حدثت، ومازالت تحدث الكوارث في تاريخ الأمة، كما نشاهد في واقعنا العملي.
ومنذ تأسيس الجماعة الإخوانية وحتى اليوم، لم يترك الإخوان سلطة إلا واجهوها، وبلداً لم يفرقوه، حدث كما رأينا في مصر، ومثل دورهم في سوريا ومصر وليبيا، لأنهم تحالفوا مع الممثل الإخواني العثماني رجب أردوغان، الرئيس العثماني الإخواني.
وفي كل الأحوال دائماً ما تحدث صدامات كبيرة بين الأثرة السياسية للجماعة وبين البطش الحكومي، وفي النهاية نجد أن مقولة الإسلام السياسي مقولة غير دينية، فالإسلام دين ثوري في المقام الأول…..