توركوت أوزال… الرئيس المقتول

دجوار أحمد آغا-

في السابع عشر من نيسان 1993 أعلنت الرئاسة التركية عن فقدان الرئيس الأسبق توركوت أوزال لحياته بعد تعرضه لأزمة قلبية في أنقرة. والآن وبعد مضي 28 عاماً، لا زال هذا الرحيل المفاجئ غامضاً لدى الكثيرين، تُرى هل مات أوزال بأزمة قلبية فعلاً أم قُتل؟!

قبل عامين شكك أحمد أوزال نجل الرئيس الراحل بحدوث وفاة طبيعية لوالده مؤكداً أن والدته سمرة أخبرته بوصول رسالة إليها مفادها أن “زوجها قد مات مسموماً”.

وضمن برنامج نهايات غامضة الذي تبثه شبكة الجزيرة الإخبارية وفي الحلقة التي خُصصت للبحث في ملابسات الرواية الرسمية والمشكوك بأمرها حول وفاة أوزال تبين بعد التحقيقات التي أجراها فريق البرنامج بأنه تم تسميم الرئيس أوزال على يد شخص من أذربيجان يُدعى حسن علي أوغلو بمادة “غليكونورينايد”. يُذكر أن أذربيجان كانت محطة السفر الأخيرة للرئيس الراحل وذكر حينها في تصريحات أنه فور عودته لأنقرة سيدخل في حوار ونقاش من أجل حل القضية الكردية. ويُضيف معدو البرنامج بأنهم بحثوا للتحقق من وجود القاتل وتبين لهم فيما بعد أنه موجود بالفعل ولكنه مات في شباط 2012.

من هو توركوت أوزال؟

إنه الرئيس الثامن للجمهورية التركية، ولد في ملاطيه سنة 1927 تخرج من جامعة إسطنبول مهندساً سنة 1950 تولى عدة مناصب ومسؤوليات حكومية. في أيار 1983 أسس حزب الوطن الأم وشارك بالانتخابات، حيث فاز حزبه بالأغلبية وشكل وزارته الأولى التي استمرت ست سنوات انتعش فيها الاقتصاد التركي من خلال توجهه لتحويل تركيا من دولة تابعة تدور في فلك الدول الكبرى إلى قوة إقليمية ودولة ذات صناعة قوية، ومن ثم توجه نحو القضية الأهم منذ تأسيس الدولة التركية ألا وهي القضية الكردية التي تعرف عليها من خلال جدته لأمه الكردية حيث كانت تغني له في صغره أغاني كردية. هذا التوجه كان نابعاً من رؤية بأن تركيا لن تستقر سياسياً ولا اقتصادياً ما لم تُحل القضية الكردية وبشكل سلمي مبني على الحوار السياسي بعيداً عن الحل العسكري، كان أوزال يُصرح بهذه الرؤية ويعمل وفقها وهو ما كان يُزعج الطغمة العسكرية التي كانت ترفض رفضاً قاطعاً أي حوار وحل سلمي للقضية الكردية معتبرة حركة حرية كردستان قطاع طرق وإرهابيين، حتى وصل حقدها وكراهيتها للكرد إلى درجة أن صرح أحد جنرالاتها قائلاً: “لو أن الكرد أسسوا لهم قرية في الأرجنتين لذهبنا هناك لمحاربتهم”!

المنهج السلمي لحل القضية الكردية

 بعد الإشارات الإيجابية المتبادلة بين الطرفين بدأت أول مفاوضات غير مباشرة عام 1993 عندما دخل الرئيس العراقي الراحل جلال الطالباني (وكان حينها أميناً عاماً لحزب الاتحاد الوطني الكردستاني) وسيطاً بين الرئيس الراحل أوزال والقائد أوجلان. وصلت هذه المفاوضات لمرحلة متقدّمة، كان من المفترض بأوزال أن يتصل بالقائد أوجلان هاتفياً في نفس يوم وفاته “الغامضة” لوضع اللمسات الأخيرة على الاتفاق.

رغم وجود أصوات رافضة للاتفاق خاصة من جانب العسكر والشوفينيين الترك، إلا أن القائد آبو قرر الظهور أمام وسائل الإعلام العالمية في 19 آذار 1993 في بلدة “بر الياس” اللبنانية حيث أعلن في المؤتمر الصحفي عن وقف إطلاق النار من جانب واحد اعتباراً من 21 آذار إلى 15 نيسان 1993. ظهر القائد أوجلان أمام الصحافة مرة أخرى في 16 نيسان 1993. وهذه المرة إلى جانب طالباني كان رئيس الحزب الاشتراكي الكردستاني كمال بورقاي والسياسي الكردي أحمد ترك. بعد مرور 24 ساعة فقط على تمديد وقف إطلاق النار، نشرت وكالات الأنباء نبأ وفاة الرئيس التركي تورغوت أوزال في 17 نيسان 1993.

الصحافة الألمانية

 ذكرت صحيفة دير شبيغل الألمانية أن النيابة العامة التركية فتحت تحقيقاً وطلبت إجراء تشريح لجثة الرئيس التركي الأسبق تورغوت أوزال، بعد أن كشف تقرير لجنة تحقيق رئاسية خاصة شكلها الرئيس عبد الله غل حينها عن وجود شبهات عديدة تتعلق بطبيعة وفاة أوزال.

وأشارت الصحيفة إلى أن سمرة أوزال أرملة الراحل ومعها ملايين الأتراك يظنون أن أوزال قتل بالسم. لافتةً إلى قول أرملة الراحل “إن انشغال أوزال قبل وفاته بإيجاد حل سلمي نهائي للمشكلة الكردية ورفضه القيام بعمليات غير قانونية لمواجهة الكرد قد أثار استياء المؤسسة العسكرية”، وهو ما يرى فيه كثير من الأتراك سبباً لتخلص هذه المؤسسة من أوزال.

ورأت الصحيفة أن ما يعزز هذه الفرضية هو تنفيذ الجيش التركي في المناطق التركية وعلى نطاق واسع الإجراءات التي رفضها أوزال بمجرد وفاته.

أوضح أحمد أوزال للصحيفة الألمانية بقوله: “إن في يوم مقتل والدي لم يكن هناك طبيب ولا سيارة إسعاف حسب المعتاد، وتم نقله بسيارة أخرى ولم يتم الإسراع بإيصاله إلى المستشفى، مع الإشارة إلى اختفاء اثنين من الخدم تماماً بعد الوفاة”. وبعد صدور قرار التحقيق في ملابسات القضية، تم ضخ الماء على القبر فور إصدار قرار بالتشريح، وأكد التقرير الشرعي وجود أربعة أنواع من السموم المختلفة في جسد الراحل، مؤكداً أن السم أخذه على دفعات، مما تسبب في تدهور حالته الصحية قبل أيام من وفاته.

جوهر قضية الاغتيال

 يتضح لنا مما سبق بأن الدولة العميقة الخفية ومنظمة آرغنكون والكلاديو هم من وقفوا وراء عملية اغتيال وقتل الرئيس أوزال، والسبب واضح وضوح الشمس كما ذكره القائد أوجلان، حيث كان من المقرر أن يتصل هاتفياً به ويضعوا اللمسات الأخيرة على الاتفاق لحل سلمي نهائي للقضية الكردية، وكذلك وفق رؤية أرملته سمرة أوزال؛ لأن حل القضية الكردية كان سيؤدي إلى تحول تركيا لدولة ديمقراطية حقيقية تحترم حقوق الشعوب في ممارسة حياتها وفق الرؤية المناسبة لها جنباً إلى جنب، وتصبح صاحبة قرارها السياسي وتحيا حياة مدنية حرة.