تركيا الضعيفة دائماً

مصطفى بالي_

من عجائب تكوين العقل السياسي التركي بهوية الدولة/ الجمهورية التركيّة، أن هذه الدولة والعناصر المكونة لها منذ بدايتها وحتى اللحظة التي ستزول فيها من الوجود، لم تُفارقها فوبيا الخوف والرعب من الآخر في أي لحظة من لحظات مسيرتها، بقيت هياكل وشخوص هذه الدولة مسكونة بالرهاب والرعب والخوف من الآخر، وهذا الرهاب هو الذي أنتج كل هذه المجازر المُريعة على مدى قرن من الزمان،  حيث راح ضحيته الأرمن، السريان، الآشوريين، اللاز والشركس وغيرهم من الشعوب والأقليات التي كانت تقطن المنطقة لآلاف السنوات، وهو ذاته الرهاب الذي يقضي مضاجع هذه الدولة كلما سمع بكلمة كردي/ كردستان، هو ذاته الرعب الذي فتح نافورة الدم متدفقة دون توقف.

تركيا المسكونة بالخوف والرعب، لم تنعم بالهدوء، أو السكينة والأمان في تاريخها، وتحملت وما تزال عبء هذا الرعب منذ لحظة تأسيسها، ولذلك، فإنها تصاب بالسعار كلما لفظ أحدهم اسم الكرد، وأكاد أجزم بأنها لو امتلكت القدرة أو السطوة الكافية لألغت هذه الأحرف الثلاث من كل لغات العالم، فقط لكي تنعم بشيء من السكينة، ولا تعيش كوابيسها، لكن ذلك مُحال، وعليه فإن تاريخ تركيا باختصار هو تاريخ المجازر والإبادات فقط لا غير، مهما حاول البعض أن يوهم نفسه قبل أن يوهم غيره، بأن :(تركيا أفضل من يتفهم القضية الكردية)، فنحن إن تتبعنا ما حدث للقضية الأرمنية، السريانية، الآشورية، وغيرها من القضايا سنعرف طبيعة تفهّم تركيا للقضايا.

تركيا التي ترفض أن تطلق مؤسسة علمية عالمية مهتمة بالطبيعة اسم (الثعلب الكردستاني) على نوع من الثعالب، وترفض إطلاق اسم كردستان على فريق لكرة القدم في حي من أحياء دمشق في ثلاثينيات القرن المنصرم، وترفض إطلاق إذاعة باللغة الكردية في القاهرة في خمسينيات القرن المنصرم، وترفض تكريم نابغة كردي في الرياضيات من قبل منصة علمية عالمية، وتقدم احتجاجات رسمية أمام الجهات المخوّلة بالنظر في القضايا أعلاه وفي كل احتجاجاتها، وتؤكد أنه لا يوجد شعب اسمه الشعب الكردي في أي مكان في العالم، هي بالتأكيد دولة تسكنها الهواجس والمخاوف لدرجة الرعب، وهي قطعاً دولة ضعيفة تعيش على حافة الهاوية كل لحظة، ومسكونة بهواجس السقوط في الهاوية كل حين.

يُقال والعهدة على الراوي أن أحد ضباط روسيا القيصرية قال لفلاديمير لينين في المعتقل قبل نفيه إلى سيبيريا بما معناه: ما لكَ مُندفع أيها الشاب، ألا ترى أن لهذه الدولة كل هذه الحصون والقلاع؟؟ لا تناطحها، سيتحطم رأسك، فرد عليه لينين الشاب حينها: إني أراها جيداً، لكن عليك أن تعلم بأن أسواركم مبنية من عفن، يكفي أن تركلها الشعوب فتنهار.

إن ما قاله لينين، لا يختلف في سياقه العام عما قاله كل الثوار والفلاسفة في كل مراحل التاريخ، بأن أنظمة القمع والاستبداد، تعيش الخوف والرعب ولا تشعر بالطمأنينة والسكينة مطلقاً، وكيفما أن شرارة صغيرة تُشعل غابة، فإن حدثاً صغيراً يُدمّر دولاً وأنظمة، لعل حادثة البوعزيزي التونسي أحد أقرب أمثلتها التي عايشناها، وكذلك حادثة الرجل السكير الذي شتم تشاوشيسكو في لحظة سُكر، كان من المستحيل أن يفكر فيها مجرد تفكير في صحوه، لكنه أسقط تشاوشيسكو وأسقط معه كل دولة أوروبا الشرقية وأزال جدار برلين بزجاجة خمر احتساها لحظة بؤس ويأس، نعم رجل سكير، أسقط كل حكومات أوروبا الشرقية، ووحّد الألمانيتين، فتت الاتحاد السوفييتي، ولو قال أي محلل سياسي أو عالم اجتماع في تلك المرحلة أن هذه الدولة آيلة للسقوط قبل أن يَسكر ذلك الرجل بشهر لتحوّل إلى سخرية للكرة الأرضية بأكملها.

تركيا ضعيفة ومشتتة وهشة وآيلة للسقوط أكثر من أي مرحلة سابقة، وما سُعارها الحالي في مهاجمة الكرد في كل مكان برفقة (كردها الجيدين) إلا برهان ضعفها وهشاشتها، ولحظة سقوطها كالساعة آتية لا ريب فيها.