سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

بَيت الشّعر البدوي…دليلٌ لرفعتهِ، ومرافقه في حِلّهِ وترحالهِ

إعداد/ حسام إسماعيل_

لطالما كانت بيوت الشعر لدى البدو مأواهم الوحيد والمتنقَّل الذي يقيهم حرارة الصيف، وبرودة الشتاء القاسيين اللذين يواجهان البدوي خلال حياة الحِلّ والترحال، وطلبه للكلأ والماء في أنحاء المعمورة، لذلك كان جديراً بالتعريف وشرح أشكاله، وأقسامه، وطبيعة هذه البيوت وأنماطها.
الرحالة والكاتب المستكشف أحمد وصفي زكريا (1889-1964)، وصف هذه البيوت خلال رحلاته الاستكشافية في أنحاء المعمورة في وادي الفرات والجزيرة، ومناطق انتشارهم في الشامية، ووصفها أحسن الوصف في كتابه عشائر الشام.
يصف الرحالة زكريا بيوت البدو التي تبدو عندما تتجوّل في البادية أنّها” لطخات سوداء تشبه شامات ذوات القدود، وهي تبدّل منظر السراب، وتهدي التائه، وتنعش السائر بمرآها، وأمل وجود المأوى والقرى فيها، واجتماع هذه البيوت يؤلّف الحواء أو الحلة أو الدوار أو النجع، وفي اصطلاح أخر تُسمَّى: المخيم، وكلّها بمعنى منزل البدو”.
ووصفت بيوت الشعر أجمل الأوصاف بالرغم من تواضعها، وما تحويه من أثاث قليل غير أن البدوي متمسّك بها، فهي لا تقي حرارة الصيف، أو برودة الشتاء كما ينبغي وعلى الرغم من ذلك يأنف البدوي من تغيير هذه البيوت أو الميل الى الاستقرار في بيوت الطين، أو الإسمنت؛ بسبب طبيعة حياته، وحِلّه وترحاله، والتماس النواجع، وأماكن توفر المياه والكلأ لماشيته، وأبرز هذه الأوصاف وصفتها، ميسون بنت بحدل الكلبية، زوجة معاوية بن أبي سفيان، وذلك رغم الترف والنعيم الذي غمرهما بهما زوجها في قصرها المشرف على غوطة دمشق، ورياضها فقد دخل عليها يوماً، فسمعها ترنّم في خدرها فأنصت إليها وهي تقول:
“لَبيت تخفق الأرواح فيه
أحبّ إليّ من قصرٍ منيف
ولبس عباءة وتقرَّ عيني
أحبّ إليّ من لبس الشفوف
وكلبٌ ينبح الطّراقَ دوني
أحبّ إلي من قطّ ألوف…”
فلما سمع معاوية ذلك منها قال: ما رضيت بنت بحدل حتى جعلتني علجاً عنيفاً، ثم ردّها الى أهلها.
وتُنسج بيوت الشعر من شعر الماعز الذي يجعل لها اللون الأسود مع تموجات كستنوية غامقة، وهي تتألف من مستطيل كبير مؤلف من قطع طويلة تدعى: شقق تُخاط الواحدة بجنب الأخرى، حيث تصنع نساء البدو هذه الشقق، ويقوم السقف على أعمدة علوها يتراوح بين المتر الواحد في الثلاثة أو الأربعة أمتار في بيوت الرؤساء الكبار.
ويتألّف البيت أيضاً من الرواق، وهي قطعة طويلة من نسيج شعر الماعز أو الجمل، تجمعها الى القطعة العلوية من البيت قطعة من الحديد تُسمّى (الخلال) يتم التحكم بالرواق حسب اتّجاه هبوب الرياح، أو الحاجة الى أشعة الشمس التي لن تنفذ الى بيت الشعر دون التحكم بالرواق، وإزالته بشكل مؤقّت من أماكن نفاذها.
وللأعمدة في البيت قيمة عظيمة للبدوي، فهي تُعدُّ روح البيت في البادية وقوامه، فمنهم قولهم “فلان عماد بيتنا”، فهي أيضاً كلما طالت وكثرت دلّت على الثروة، والرفعة على أن صاحبها طلبة الأضياف والزائرين، وأصغر البيوت ما لها عمود واحد، وهي بيوت الأرامل والطاعنين في السن والوحيدين والمنقطعين وبيوت الدخلاء والمستجيرين، وأكثر ما تُضرب هذه البيوت الصغيرة في جوار بيت الشيخ لتبقى في كنفه وعلى مقربة من إحسانه.