لستُ شرفك..

ميديا غانم_

“الشرف” عرف عالميٌ، بأنه صفة تمس النفس والخلق، والتعريف يشمل الذكر والأنثى.. فكيف بات مقتصراً على جسد المرأة، بعيداً عن كل معانيه كعدم الكذب والرشوة والنفاق والفتنة وغيرها من معاني اللاشرف المنتشرة حولنا؟

أٌطلق “اليوم العالمي للتضامن مع ضحايا جرائم الشرف”، عبر حملة هدفت إلى دعم النساء، والفتيات المتضررات مما يُسمى بـ “جرائم الشرف” بأشكالها كلّها، حيث جاءت فكرتها في عام 2009، بعد أن ثارت نساء سوريا ضد حكم قضائي أشبه ببراءة شاب قتل شقيقته بزعم الدفاع عن “الشرف”.

“جرائم الشرف” هي جريمة قتل يرتكبها غالبًا أحد الأعضاء الذكور في الأسرة ضد أنثى أو أكثر في ذات الأسرة، بسبب شكوك حول ارتكاب هذه الأنثى فعلاً مخلّاً بالأخلاق بنظر الجاني، ويبرر مرتكبو جريمتهم بزعم “الحفاظ على شرف العائلة” وتعدّ الدول العربية من أكثر الدول التي تنتشر فيها هذه الجرائم، حيث تحاول بعض الدول منها إصدار قوانين خجولة لتحاكم الجاني، كقاتل وليس كبطل، أنقذ شرف العائلة، ولكن حتى الآن تكون العقوبة مخففة لهم.

حيث باتت “جريمة الشرف” حجة للقاتل، فهنا نجد أنّ المقتول دوماً أنثى.. ولكن أليس الذكر الذي قام بهذا الفعل؟ فلماذا لا يقتل مثلها مثل الأنثى؟ ـ هذا بعيداً عن أن المرأة حرة بجسدها، حسب أخلاقها، ومبادئهاـ وأنها جريمة كاملة الأركان وليس لها أي عذر ولكن لنلاحظ الازدواجية في المعايير فقط، ومع ذلك كلّه فإن أغلب هذه الجرائم تلفيق وافتراء للتهرب من الحكم.

وكانت الحكومة السورية أصدرت مطلع عام 2011 مرسوماً قضى بتعديل قانون العقوبات السوري، وشملت التعديلات تسع عشرة مادة، أبرزها على الإطلاق تعديل المادة 548 من قانون العقوبات التي كانت تعاقب مرتكبي جرائم، ما سُمّي بالشرف بالسجن سنتين كحد أقصى، بحيث أصبحت العقوبة من خمس إلى سبع سنوات.

نصت المادة “548” من قانون العقوبات السوري، على أمرين: الأول أنه “يستفيد من العذر المحل من فاجأ زوجه أو أحد أصوله أو فروعه أو أخته في جرم الزنا المشهود، أو في صلات جنسية فحشاء مع شخص آخر، فأقدم على قتلهما أو إيذائهما أو على قتل أو إيذاء أحدهما بغير عمد”، والأمر الثاني أنه “يستفيد مرتكب القتل أو الأذى من العذر المخفف إذا فاجأ زوجه أو أحد أصوله أو فروعه أو أخته في حالة مريبة مع آخر”.

والفرق بين العذر المحلّ والعذر المخفّف، حسب القانون السوري، هو أن العذر المحلّ إذا تحققت أركانه يُعفى المجرم من كلّ عقاب، في حين أن العذر المخفف إذا ما تحققت أركانه يؤدي إلى تخفيف العقوبة فقط.

ويعود مصدر القانون السوري فيما يتعلق بـ “جرائم الشرف”، إلى قانون الجزاء العثماني، والذي تمّ فرضه في سوريا عام 1858، ثم تكرَّس وجوده في قانون العقوبات السوري الصادر عام 1949 والذي تمّ تعديله حيث صدرت الحكومة السورية القانون رقم 2 لعام 2020 القاضي بإلغاء المادة 548 من قانون العقوبات الصادر بالمرسوم التشريعي رقم 148 لعام 1949، وتعديلاته والنصوص القانونية التي حلّت محلّها المتعلّقة بمنح العذر المخفف بـ “جرائم الشرف”.

ولا توجد إحصائية دقيقة عن عدد جرائم الشرف المرتكبة في سوريا خلال السنوات الماضية، بسبب توقف الاحصائيات منذ تسع سنوات، وتشير آخر إحصائية صادرة عام 2011 عن وزارة الداخلية في الحكومة السورية، إلى أن سوريا احتلت المرتبة الثالثة بعد اليمن وفلسطين في عدد جرائم الشرف، إذ سجلت في 2010 نحو 249 حالة.

أما في شمال وشرق سوريا الوضع مختلف، حيث أنّ الإدارة الذاتية نصّت “قوانين المرأة” تحميها إلى درجة كبيرة، ومنها البند الذي ينص على أنه ليس هناك جريمة شرف بل قتل عمد دون أي عذر مخفف، ولكن مع كل هذا، ووجود الكثير من المنظمات النسائية المنادية بحقوق المرأة في المنطقة لم تستطع ردع هكذا جرائم، نتيجة العادات البالية في المجتمع والذهنية الذكورية، لكن على الأقل تعدّها جريمة كاملة الأركان ويحاسب الجاني على أساسه.

سؤال يطرح نفسه كيف تستطيع العوائل التي تقتل فرداً منها، والتي تكون أنثى بالأحوال كلّها بحجة الحفاظ على الشرف أن تعيش بسلام، ويدخل الفرح ذاك البيت بأن يكون القاتل والمقتول أخوة أو أب وابنته؟ هنا يتوجب الكثير من التحليل والتعمق في التاريخ الذي حول مكانة المرأة من آلهة إلى ملك من أملاك الذكر، ويُحكم عليها بالموت إذا خرقت بأي قانون فرضها هو عليها.