بين الأرصفة والطرقات قصة طفلة حملت متاعب الحياة مبكرة

قامشلو/ دعاء يوسف ـ

بدل أن تحمل حقيبتها المدرسية، حملت على ظهرها الواهن بضائع أرادت بيعها، قاطعة بها مسافة تتجاوز عشرة كيلو مترات عن مدينة قامشلو سيراً على الأقدام، فتتجه من قرية “ذبانة” إلى الأسواق الشعبية في قامشلو، أملها أن تبيع، ولو القليل من أجل إعالة عائلتها، وهذه القصة ليست غريبة، في وطنٍ حُرم فيه الأطفال من أبسط حقوقهم.

تنتشر البسطات النسائية خصوصاً في الأسواق الشعبية في قامشلو، وكثيراً ما نرى الأطفال ينشرون بسطاتهم على جوانب الأرصفة، أو يتنقلون بين المارة داخل هذه الأسواق، فيعرضون ما خف حمله، وناسب سعره، وقد لا يتناسب ما يعرضونه من بضائع مع أذواق المارة، ولكن هي الحاجة، حلم أغلب هؤلاء الأطفال، أن يعودوا لمنازلهم آخر النهار وقد حققوا، ولو دخلاً يسيراً من مبيعاتهم، لسد رمق العائلة.

ولا يختلف حال الطفلة “مقبولة حسين الجاسم“، التي لم تتجاوز اثني عشر عاماً، عنهم فتركت مقاعد الدراسة من أجل الانطلاق في رحلة العمل، بسبب الظروف المعيشية الصعبة، التي تمر بها العائلة، فجلست على أرصفة أحد الأسواق الشعبية، تبيع ما تيسر لها من قطع ملابس مستعلمة، من أجل أن تعيل والدها المريض، فشقيقاها لا يجدان عملاً دائماً.

حيث يعمل شقيقها الأصغر في الأعمال الحرة، ويعمل يوماً ويتوقف عن العمل لأسابيع، وذلك بسبب صغر سنه أيضاً، وهذا ما يدفع مقبولة للمشي مسافات طويلة، لكي تصل للأسواق الشعبية، والتي أقربها سوق الجمعة.

“عملي لا يكفي ثمن وجبة غداء”

تخرج مقبولة، منذ ساعات الصباح الباكر، حيث تستيقظ من الخامسة صباحاً حاملةً أغراضها متجهة نحو الأسواق، وتغادرها في الثانية ظهراً، تجر ذيل الخيبة فقد يصادف أن تبيع بضع قطع من الملابس، قد لا تكفي لوجبة غداء، كما بينت لصحيفتنا: “وضع والدي الصحي سيء، فأجبرت للعمل أنا وشقيقي من أجل العيش، إلا أن ما أقوم به لا يسد الرمق، وعملي لا يكفي ثمن وجبة غداء”.

وترى مقبولة الأطفال، وهم يتوجهون للمدرسة كل يوم خلال طريقها للعمل، وبرغم من الغصة، التي ترافق قلبها لا تندم مقبولة على تركها المدرسة: “لو أنني أكملت تعليمي لزاد المصروف، ولكني بعملي هنا أساعد والدي، وعائلتي ولو بالقليل، فقد تخليت عن حلمي من أجلهم”، وقد كانت مقبولة تحلم بأن تصبح معلمة تساعد الأطفال على بناء حياة أفضل.

تجلس عائلة مقبولة بمنزل أجار مكون من غرفتين، وقد وصفته بجنة، فهي تجتمع مع عائلتها في آخر النهار، فيتقاسمون طعام العشاء، أو الغداء: ” لربما قست الحياة في وجهنا، إلا أننا مازلنا نحاول التغلب على صعابها بهذا العمل، الذي يسد حاجتنا، ويمنعنا عن مد اليد لأحد، ولكن مع ارتفاع الأسعار ما عاد بمقدورنا شراء الطعام”.

ونوهت مقبولة إلى عملها في الحقول كعاملة في الساعة، إلا أن هذا العمل غير متوفر يومياً: “إن عمل الحقل صعب ومجهد، ولكني أعود للمنزل محملة بأنواع الخضار، التي تغنينا عن شرائها”.

“حياة عادلة للجميع”

تابعت مقبولة حديثها عن العمل في الأسواق الشعبية قائلةً: “ما دفعني لهذا العمل، أنني لم أجد عملاً أفضل رغم بحثي عن عمل آخر أياً كان، ولكن يبدو أنه كُتب علي قطع هذه المسافة يومياً، وأجالس الشوارع والطرقات بحثاً عن لقمة العيش، لم أجد غير هذه العمل، الذي يجعلني أعاني حتى أكسب الرزق الحلال، فقد اعتدت الطريق، واعتادتني أرصفته، وزوار الأسواق الشعبية”.

وبالرغم من أنها لا تحب عملها، وتجده شاقاً عليها، لكنها تفضله على مد يدها لأحد من أجل أن يعطيها بعض المال: “أعمل من الصباح حتى المساء، ولا أبيع الكثير، بالإضافة إلى العمل في الحقول لساعات طوال، وقد لا أتناول طعامي من الصباح حتى المساء، ولكن هذا أفضل من التسول، وطلب المال”.

تمنت مقبولة في نهاية حديثها، أن تعيش عائلتها في وضع مادي أفضل، وأن تستطيع مساعدتهم في تغيير ظروف الحياة، التي عصفت بهم، وأضافت: “أريد حياة عادلة للجميع”.

قصة مقبولة واحدة من قصص العشرات من الأطفال، الذين نراهم يجوبون الشوارع، ويصادقون الأرصفة، ليعملوا في مهن تشابه مهنتها، وربما مهن تحمل شقاءً أكبر، وباتت هذه الأعمال متنفساً، ومصدراً رزق لهم.