بيريتان… قمم الجبال تليق بك

هيفيدار خالد_

كل فردٍ في هذه الحياة له قصة وحكاية وتاريخ ومسيرة ينتهي بها المطاف في بعض الأحيان بخاتمةٍ مميّزةٍ وفريدةٍ من نوعها تترسّخ في ذاكرة الجميع ولا تُنسى أبداً. وأحد هؤلاء الأفراد، المناضلة الكردية والمقاتلة بيريتان هيفي التي ذاع صيتها بالمقاومة التاريخية، التي أبدتها في وجه الأعداء وخيانة أبناء جلدتها قبل سنوات من الآن، فكان لقصتها في الحياة نهاية عظيمة تليق بها .

بيريتان هيفي اسم مقاتلة كردية أصيلة تنحدر من مدينة ديرسم الكردية في شمال كردستان، كرّست جل حياتها للنضال من أجل تحقيق الحرية والحياة المشرفة لوطنها وشعبها. فكان لبيريتان مع هذا الاسم قصة مقاومة لا مثيل لها في تاريخ الكرد وخاصةً في تاريخ المرأة الكردي.

عرفت بصلابة مواقفها بين من عرفها ومحاربتها لمفاهيم الذهنية الذكورية، التي كانت تفرض على المرأة، بعد أن انضمت لحركة حرية كردستان في فترة التسعينات. لم ترضخ للمفاهيم الرجعية آنذاك بل كانت مقاتلة بارعة في خنادق القتال ضد الأفكار القديمة. صاحبة إرادة وعزيمة لا يستهان بها. جمعت بين النضال والمعاناة معاً؛ فالصعوبات التي كانت تعترض طريقها في مسيرة النضال، التي خاضتها لم تثنها عن الارتقاء والسمو عالياً، فكانت مضرب مثلٍ في كل شيء.

بيريتان التي جلعت عقل وقلب وفكر كل من عرفها أو سمع عنها في تساؤُلٍ، كيف تسنّى لها الجمع بين الألم والمعاناة والسمو والتميّز والتألق؟، كيف تسنّى لها أن تكون محاربة على هذا القدر من الكبرياء دون أن ترضخ لأي أحد كان؟، كيف كابدت الظروف وتحدت الصعاب مرفوعة الرأس؟ لتكسر بصوتها قضبان التقاليد البالية القديمة، متحديةً كل من يحاول قصّ جناحيها، لتصبح القيادية التي غدت رمزاً للنضال النسائي ضد القيود والقوانين، التي كانت تفرض عليهن عنوة، والفدائية التي لعبت دوراً محورياً في تجييش المرأة الكردية في جبال كردستان بفضل ما تملكه من فكرٍ ثاقب وتراكمٍ ثقافيٍّ وأيديولوجي.

نعم، كل شيء فيها كان مركزاً للجذب، كلامها، طريقة إلقائها، نبرة صوتها، وكل ما فيها. كانت شجاعة مقاومة صريحة واضحة. نضالها أشبه ما يكون بتلك القمم التي طالما ألفنها وألفتها، بعد أن اتخذت مبدأ ثلاثية “الناجحون جميلون دائماً” والفوز في المعارك ذات الشأن الكبير يجعلنا أجمل. نعم بيريتان.. وحدها قمم الجبال تليق بك.

بيريتان أثبتت للعالم معنى التضحية والإصرار، معنى حقيقة المرأة المقاتلة هناك في الجبال الشاهقة بعد أن رمت نفسها من أعلى صخرة شاهقة في جبال كردستان بمنطقة خاكوركه كي لا تقع أسيرة في يد العدو وأبناء جلدتها الخونة، الذين شاركوا الأعداء محاربتها، والنيل من قضيتها العادلة التي نذرت حياتها من أجلها. عندها وقف التاريخ أمام عظمة بيريتان مسطراً اسمها في صفحات المجد والخلود، وترسخ اسمها في أذهان أبناء شعبها ووعيهم الجمعي… المئات من أبناء شعبها الكردي أطلقوا على أبنائهم اسم بيريتان، لتبقى منارة تضيء لهم تاريخ الشعب الكردي على مر العصور والأجيال، واليوم المئات من المقاتلات في جبال كردستان الحرة الشاهقة بقدر قامة بيريتان، ها هن يسرن على النهج الذي رسمته لهن ويناضلن في خنادق المقاومة والكرامة في وجه الدولة التركية الفاشية.