تتقاذف روسيا والغرب المسؤولية عن أزمة المهاجرين على الحدود البيلاروسية -البولندية، ويقدم الجانبان رؤيتين مختلفتين، للأسباب التي تدفع آلاف البشر الى ركوب المجازفات، والعبور غير الآمن من حدود دولة إلى أخرى، مع ما يترتب على ذلك من مخاطر، يدفعون فيها مرات كثيرة حياتهم؛ ثمناً لذلك.
المسؤولون في الاتحاد الأوروبي، يعدون روسيا ومن خلال حليفتها بيلاروسيا، تستخدم المهاجرين اليوم سلاحاً؛ لإثارة التوترات مع الغرب، بهدف التوصل لاحقاً إلى تسويات، ويقولون: إن الرئيس البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو، يريد معاقبة دول الاتحاد الأوروبي، التي تفرض عليه دفعة إثر أخرى من العقوبات، بسبب قمعه الحركة المطالبة بالديموقراطية، العام الماضي. وبناء على هذه الفرضية، يؤكدون أن استقدام اللاجئين من العراق وسوريا وتركيا وأفغانستان، كان عملاً متعمداً من الحكومة البيلاروسية، ولم يكن عملاً من تدبير مهربي البشر، الذين يتقاضون مبالغ مالية، مقابل تأمين انتقال هؤلاء من بلد إلى بلد.
والتفسير الأوروبي لأزمة اللاجئين، يستند في ذلك إلى اعتبارات جيوسياسية، تنفي عنها إلى حد كبير الأبعاد الإنسانية، وتختزل المسألة بابتزاز تمارسه مينسك، بإيحاء ودعم من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
أما التفسير الذي يقدمه بوتين للأزمة، فقد جاء بصيغة توجيه اللوم إلى الغرب، عن السياسات التي اتبعها في السنوات الماضية، حيال البلدان التي ينطلق منها المهاجرون. وبعبارة أخرى، يريد الرئيس الروسي القول للغرب:” إن ما تعانون منه اليوم على حدودكم، هو نتاج سياساتكم الخارجية، وأنكم أنتم المسؤولون عن أزمة المهاجرين واللاجئين، وليس روسيا أو بيلاروسيا”، وإن ما يجري على الحدود البيلاروسية – البولندية هو نتيجة لأسباب أخرى، كان الغرب مساهماً فيها، لا سيما الحروب.
وكما يتبيّن أن الأزمة الناشبة اليوم، ربما يعمل على توظيفها بوتين ولوكاشينكو، وإنما السؤال الجدير بالطرح، هو ما الذي يدفع الناس إلى ترك بلدانهم، والبحث عن حياة أخرى في دول الاتحاد الأوروبي؟
لا يمكن أن تكون روسيا أو بيلاروسيا من يفعل ذلك في الأساس، ربما تستغل الدولتان ظاهرة ما، في سياق نزاعهما المتصاعد مع الغرب، وفعلت تركيا ذلك عام 2015. لكن يجدر البحث عن الأسباب الكامنة، التي تجعل عراقيين يرحلون من العراق، وسوريين يرحلون من سوريا، ولبنانيين يرحلون من لبنان، وأفغاناً يرحلون من أفغانستان… والسبحة تطول.
وليس مصادفة أن يكون معظم المهاجرين الموجودين في بيلاروسيا اليوم، ويتطلعون إلى القفز فوق السياج الحدودي، نحو الاتحاد الأوروبي، هم من دول ابتليت لسنوات وسنوات بالحروب وأصابها الدمار، ولسبب آخر فَقْدُ أهلِها الثقةَ بصلاح الأحوال في المدى المنظور، ففضلوا المخاطرة بالذهاب إلى بيلاروسيا؛ وصولاً إلى الاتحاد الأوروبي.
وحتى المعالجات التي تُقْدِمُ عليها الدول المستهدفة بالهجرة، أو موجات اللجوء، لا تقدم جواباً ملائماً للأزمة. فبناء الجدران ليس الحل الأمثل، كما أن استخدام النبرة العنصرية والشعبوية، من شأنه إفراز ظواهر أخرى أشد ضرراً من استقبال اللاجئين، أو التعاطي معهم، على الأقل، بالحدود التي تفرضها المعايير الأخلاقية والإنسانية.
بولندا شرعت في بناء جدار على الحدود مع بيلاروسي، وقبلها بنت المجر جدارين على حدودها مع صربيا، وبدأت تركيا ببناء جدار على الحدود مع إيران؛ لمنع اللاجئين الأفغان من دخول أراضيها.
لكن، هل تقدم الجدران حلاً لمسألة المهاجرين، التي هي أعمق بكثير؟ ويتطلب حلها تضافر جهود الدول والمؤسسات الدولية كلها، وفي مقدمها الأمم المتحدة، وتبقى أنجع الحلول هي تلك التي تتعاطى مع المشكلة في المكان الذي تنطلق منه، أي في الدول التي يهجرها أهلها، ويرون أنها لم تعد صالحة للسكن، لأسباب لا يتسع المجال لتعدادها.
والتحدي الكبير يكمن في كيفية إقناع الناس، استعادة الثقة بأوطانها، كي لا تحزم حقائبها، وتهيم على وجهها؛ بحثاً عن لقمة العيش… والكرامة.
تتقاذف روسيا والغرب المسؤولية عن أزمة المهاجرين على الحدود البيلاروسية -البولندية، ويقدم الجانبان رؤيتين مختلفتين، للأسباب التي تدفع آلاف البشر الى ركوب المجازفات، والعبور غير الآمن من حدود دولة إلى أخرى، مع ما يترتب على ذلك من مخاطر، يدفعون فيها مرات كثيرة حياتهم؛ ثمناً لذلك.
وليس مصادفة أن يكون معظم المهاجرين الموجودين في بيلاروسيا اليوم، ويتطلعون إلى القفز فوق السياج الحدودي، نحو الاتحاد الأوروبي، هم من دول ابتليت لسنوات وسنوات بالحروب وأصابها الدمار، ولسبب آخر فَقْدُ أهلِها الثقةَ بصلاح الأحوال في المدى المنظور، ففضلوا المخاطرة بالذهاب إلى بيلاروسيا؛ وصولاً إلى الاتحاد الأوروبي.
